فتشتت جند قندهار، وقوي الأمل عند شير علي، فحمل على قندهار واستولى عليها، وعادت الحرب إلى شبابها، وعضد الإنكليز شير علي، وبذلوا لها قناطير من الذهب، ففرقها في الرؤساء والعاملين لمحمد أعظم، فبيعت أمانات ونقضت عهود، وجددت خيانات.
وبعد حروب هائلة تغلب شير علي وانهزم محمد أعظم، وابن أخيه عبد الرحمن، فذهب عبد الرحمن إلى بخارى، وعاد اليوم إلى بلاده وهو أميرها، وذهب محمد أعظم إلى بلاد إيران، ومات بعد أشهر في مدينة نيسابور، وبقي السيد جمال الدين في كابل لم يمسه الأمير بسوء، احتراماً لعشيرته وخوف انتقاض العامة عليه حمية لآل البيت النبوي، إلا أنه لم ينصرف عن الاحتيال للغدر به والانتقام منه بوجه يلتبس على الناس حقه بباطله، ولهذا رأى السيد جمال الدي خيراً له أن يفارق بلاد الأفغان، فاستأذن للحج فأذن له على شرط أن لا يمر ببلاد إيران، كيلا يلتقي فيها بمحمد أعظم، وكان لم يمت، فارتحل على طريق الهند سنة خمس وثمانين ومائتين وألف، بعد هزيمة محمد أعظم بثلاثة أشهر، ولما وصل إلى التخوم الهندية تلقته حكومة الهند بحفاوة في إجلال، إلا أنها لم تسمح له بطول الإقامة في بلادها، ولم تأذن للعلماء في الاجتماع عليه إلا على عين من رجالها، فلم يقم أكثر من شهر، ثم سيرته من سواحل الهند في أحد مراكبها على نفقتها إلى السويس، فجاء إلى مصر وأقام بها نحو أربعين يوماً، تردد فيها على الجامع الأزهر، وخالطه كثير من طلبة العلم السوريين، ومالوا إليه كل الميل، وسألوه أن يقرأ لهم شرح الإظهار، فقرأ لهم بعضاً منه في بيته، ثم تحول عن الحجاز عزمه، وتعجل بالسفر إلى الآستانة، فبعد أيام من وصولها أمكنه ملاقاة الصدر الأعظم عالي باشا، ونزل منه منزلة الكرامة، وعرف له الصدر فضله، وأقبل عليه بما لم يسبق لمثله، وهو مع ذلك بزيه الأفغاني قباء وكساء وعمامة عجراء، وحومت عليه لفضله قلوب الأمراء والوزراء، وعلا ذكره بينهم، وتناقلوا الثناء على