ذاك لحضرة من تصرف من حين شبيبته بدراسة المعارف، وإفاضة العوارف، وكلف بالعلم حتى صار ملهج لسانه، وروضة أجفانه، السيد أحمد عارف حكمت بيك، فكان لوالدي منه الالتفات الوافر، والميل المتكاثر، وكان يكثر بينهم البحث والحديث، خصوصاً فيما يتعلق بالتفسير والحديث، فلذلك كان مقدماً عنده على ما سواه، وملحوظاً بعين عنايته ورضاه، وكل منهما أخذ عن الآخر وأجازه، وأسمعه حديث الأولية وذكر معناه وحقيقته ومجازه، ثم قرأ كل منهما الفاتحة، ودعوا لهما وللمسلمين بالدعوات الصالحة، وقد مدح الأستاذ الأعظم، شيخ الإسلام والمسلمين الأكرم والدي بهذه الأبيات على الارتجال، من غير إمهال، وهي:
يا قلب أبشر بما ترجوه من منن ... فقد حظيت بشهم كامل فطن
حليف علم إمام سيد ثقة ... أخلاقه الشم قد جاءت على سنن
فقلت للقلب هذا ما تؤمله ... لقد بلغت المنى والأنس من حسن
فأجابه سيدي الوالد حفظه الله، وأحسن مثواه، بقوله:
شمس المعارف تغنينا عن السرج ... ومهج الفضل لا يخفى لمن يلج
وطالع السعد لا يعروه كاسفة ... وعارف الدهر محفوظ من العوج
شيخ الأنام الذي طابت مآثره ... بحر الكمالات ذو الأمواج واللجج
فرع النبوة وصف الحسن لابسه ... فنوره ظاهر في وجهه البهج
شهم همام وللمختار نسبته ... فيا لها نسبة تسمو لمبتهج
رب المعارف والأبحاث شاهدة ... بكونه عارفاً حقاً بلا حرج
طود من العلم والإحسان جمله ... حلم به قد سما الأسمى من الدرج
بشرى لنا معشر الإسلام أن لنا ... من فضله نظرة تدني من الفرج
يا مبتغي العلم لذ إن رمت ري صدى ... بمنهل بفنون العلم مبتهج
يا سائلي عن دليل الصدق في خبري ... شواهد الفضل لا تحتاج للحجج
فيمم الركب وانزل روض ساحته ... واشمم شذا طيبه الفياح بالأرج
فمنصب المجد فيه حاز غايته ... وقد سعى نحوه بالصدق واللهج