ودرس وأفتى واشتهر ذكره، ولازم الأستاذ الحفني، وتداخل في القضايا والدعاوى وفصل الخصومات بين المتنازعين، وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات، ونما أمره وراش جناحه، وتجمل بالملابس وركوب البغال، وأحدق به الأتباع، واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي، فزادت شهرته ووفدت عليه الناس، وأطعم الطعام واستعمل مكارم الأخلاق، ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن إليها، فاجتمع عليه أهل تلك الناحية وأولوا النجدة والزعارة والشطارة، وصار لهم بهم نجدة ومنعة على من يخالفه أو يعانده، ولو من الحكام، وتردد إلى الأمير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالأمارة، وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني. فلما استبد بالأمر ولم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات، ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد، فزادت شهرته، ونفذت أحكامه وقضاياه، واتخذ سكناً على بركة جناق أيضاً، ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والإفتاء ومشيخة الشافعية، وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الأمير المذكور وقصر عليهم الإفتاء، وهم الشيخ أحمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحفني والمترجم، وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها، أنشأها لهم بظاهر الميضأة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الأتراك بالجامع المذكور، حصة من النهار في ضحوة كل يوم للإفتاء، بعد إلقائهم دروس الفقه، ورتب لهم ما يكفيهم، وشرط عليهم عدم قبول الرشا والجعالات، فاستمروا على ذلك أيام حياة الأمير.
واجتمع المترجم بالشيخ صادومة المشغوذ، ونوه بشأنه عند الأمراء والناس وأبرزه لهم في قالب الولاية، ويجعل شعوذته وسيمياه من قبي الخورق والكرامات، إلى أن اتضح أمره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى