للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى دمياط، لما حصل في مصر من الشطط والشياط، وفي عام ألف ومائتين وسبعة عشر، توجه إلى بلاد الروم فاستقام بها مدة واستقر، وفي سنة خمس وعشرين توجه إلى الشام، فدخلها زوال يوم الجمعة ثاني شهر ربيع الأول شهر ولادة سيد الأنام، فتلقاه أهلها بما لاق، وعقدوا على تفوقه وتفرده بالفضائل كلمة الاتفاق، فتعلق به والدي تعلق اللازم بالملزوم، وحضر دروسه في أكثر العلوم والفنون، فكان لوالدي كالروح للجسد، وكان هو يقبل على والدي إقبال الوالد على الولد، لما يرى له من علو الهمة، وسهر الليالي المدلهمة، ولم يزل لمجالسه ملتزما، وفي سلك الملتقطين لدرر نفائسه منتظما، إلى أن خرج من الشام بعد الثلاثين، وكان قد استقام بها نحواً من خمس سنين، فرجع إلى مصر بعد هذه المدة، وكان قد زال عن مصر ما كان بها من شدة، وحينما عزم على السفر استجازه والدي فأجازه، وأنعم عليه بهذه الإجازة، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم.

إن أحسن ما يقدمه السائل في مقاصده، ويلتزمه في مصادره وموارده، حمد الله بأعظم محامده، وشكره على أيمن بره وعوائده، فهو الذي يجيب السائل إذا دعا، ويثيبه على ما إليه من الخير سعى، شرف هذه الأمة باتباع أشرف رسول وكتاب، فانجاب بصبح شريعته من دياجي الجهالات جلباب، ودخل الناس في دين الله افواجاً من كل باب، وقامت بنصره صحابته الأطهار، وأشياعه الأخيار، فباؤوا بحسن المثاب، وخير المآب، ولم تزل هذه الشريعة الغراء المحجة البيضاء واضحة البرهان، مشيدة الأركان، بوراثة العلماء، وجهابذة العظماء، على خدمتها قوامون، قليلاً من الليل ما يهجعون، للأحكام يستخرجونن وللدقائق الجسام يستنبطون، وكلما مضى سلف، أعقبه خلف، وهكذا حتى تقوم الساعة، وتنقضي الدنيا التي هي كساعة، فلله من خصيصة بهذه الأمة اختصت، وامتازت بها عن غيرها وجلت، فعليه من المولى سحب صلاة يتوالى مدرارها، ويتسامى تكرارها،

<<  <   >  >>