للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والده، وعلمه صنعة حياكة الحرير، ثم غلب عليه الجذب والسكوت وترك الحياكة، ولازم الساحة المعروفة، في ميدان الحصا بساحة الحمام، يعني حمام التوتة، وهذه الساحة قد دفن بها جملة من السادات المجاهدين، وبها قبورهم ظاهرة مشهورة مقصودة بالزيارة، غير أنه لم يعرف من أسماء أصحابها إلا الشيخ حرب والشيخ موسى، وكثير من الناس قد حفروا في تلك الساحة فوجدوا بعض المدفونين بها بحالهم، وعندهم بعض أسلحة من الطراز القديم، كالسيف والنشاب والدرقة، وإذا الإنسان مر بين قبورهم في ليل أو نهار يجد أنساً وروحانية وفرحاً وسرورا، نسأل الله تعالى أن يلهم أهل الحمام الذي في جوارهم صيانتهم واحترامهم من فرشي الزبل والأقذار التي يفرشونها بين قبورهم وعلى مدافنهم المدروسة فإن القبور تصان لا تبتذل وتهان، خصوصاً قبور السادة المجاهدين في سبيل الله، فإن من آذاهم وإن أمهل لا يهمل، نسأل الله الحماية، والحفظ والوقاية ثم نرجع إلى المترجم فإنه رضي الله تعالى عنه كان ملازماً للوقوف في هذه الساحة، ويتردد بها قليلاً ولا يخرج عنها، وكان في أيام الشتاء والبرد ينزل عليه المطر الغزير والثلج الذي ربما يرتفع على الأرض ذراعاًن ولا يتظلل ولا ينتقل، حتى أنه مرة كان واقفاً فنزل الثلج وكثر، فجلس على الأرض وجلل عليه الثلج حتى ستره بالكلية، فتفقده الناس فلم يجدوه، ففتشوا عليه فوجدوه مستوراً في الثلج، فحينما وجدوه وأزاحوا الثلج عنه خرج البخار من عنده، وكأن محله فيه نار، ولما نظروا إليه وجدوه ضاحكاً باسماً يتكلم بكلام لا يعرفونه ولا يفهمونه، لأنه كان يهمس في الكلام همسا، وكان لا يلبس على جسمه سوى قميص وبوظية من الصوف، وكان إذا أظهر المحبة إلى إنسان شمه بأنفه،

<<  <   >  >>