قد سجن مراراً وشاه العجم يطلقه، ولكنه في هذه المرة، قد تجسمت منه المضرة، وطغت عليه نفسه، فصار من اللازم إهانته وحبسه، وفي السنة السابعة من ظهوره، الكاسفة لبهاء وجوده ونوره، قتل بالرصاص وهو مصلوب، وعاملته الأيام بعكس المرغوب.
وفي هذه المدة التي مضت عليه في الحبس قد حرر ستة وتسعين مصحفاً، وتمكن بعد مشقة عظيمة من إرسالها إلى خارج السجن، ووصولها إلى اخوته وجماعته، ومن بعد قتله، وصل إلى أخويه بعض من كتبه فباشرا الدعوة بالنيابة عنه، إلا أن كل واحد منهما يدَّعيها لنفسه ويكذب الآخر، ثم تجاذفا في دعواهما فصار كل منهما يدَّعي النبوة عوضاً عن المهدية، وأخذا في تحرير الرسائل وإرسالها بدعوى النبوة العظمى، وطُلِبَ إلى النَّاسِ تصديقهما، وجالا في البلاد لدعوى العباد، فلما وصلا إلى مدينة ادرنة اشتد بينهما الخصام، وصار كل منهما حريصاً على قتل أخيه وإلقائه في حيز الإعدام، وكان فسادهما قد سرى على بعض الناس من غير مرا، فقبضت الحكومة عليهما، وحكمت بتوجيه النفي إليهما، فنفي أحدهما إلى قبرس، والثاني إلى عكا مؤبدين. وسبب دعوى هذين النبوة إنما كان من علي بن محمد بن رضا المومى إليه أعلاه الشيعي المذهب، فإنه لما كان في السجن ادعى سنة في ابتداء أمره أنه المهدي، ثم ادعى أربع سنين أنه نبي، ثم ادعى الألوهية وصورة دعواه على المنوال الآتي: وهو أنه في قديم الزمان كل نبِيٍّ عصرٍ لما تتم مدته تنتقل أمته الموجودون إلى النبي الآخر وهكذا إلى حضرة محمد صلى الله عليه وسلم الذي تختم مدته سنة ألف ومائتين وخمس عشرين فأخذ أمته وذهب إلى المحشر، وبعد ذلك جميع ملل الأرض تخصني حيث صرت نبياً لها، وبعد سنة ألف ومائتين وخمس وثلاثين يظهر نبي أفضل مني وبه تتم مدتي، وكلما جاء نبي يكون أكمل وأعظم ممن قبله، وهذا الحكم سار من الأول الذي لا أول له إلى الآخر الذي لا آخر له.