فأفرغت في رعايته جهداً. ولم يزل يتنقل مقامه، ويترقى قدره ومقامه، إلى أن دعته الحضرة السلطانية، للإقامة بمدينة القسطنطينية، وبيان ذلك على طريق الإجمال لا على التفصيل، المؤدي إلى الخروج عن المقصود وارتكاب التطويل، إنني كتبت لحضرته وهو في الآستانة العلية، أن يرسل لي ترجمته السنية، فأجاب وما ضن ومن علي بها وما من، وأنبأني بأنه ولد في شعبان المبارك سنة أربع وأربعين ومائتين وألف، بمسراته من أعمال طرابلس التي دفن بها والده المجمع على كماله من غير خلف، فنشأ في حجر والده إلى أن شب، وكان له كمن طب لمن حب، ثم قال: فعلمني القرآن إلى أن أتقنته، ثم علمني من أنواع العلوم إلى أن ظننت أن ما تعلمته أحسنته، ثم أخذ يؤدبني بآداب السنة، إلى أن وجد نفسه الشريفة لإعطائي الطريق مطمئنة، فاستخار الله واستهداه، وغب أن حصل له الإذن بما يهواه، أخذ يدي بطريق المصافحة وتلا قوله تعالى " وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم " إلى آخر الآية ثم تلا: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله " الآية ثم لقنني لا إله إلا الله وقال لي اذكرها من غير قيد ولا عدة تتكاثر عليك الفيوضات، ويتقوى لك بفضل الله المدد. وكان رضي الله عنه يحبني محبة كاملة زائدة عما تقتضيه شفقة الأبوة، ولا زال يؤهلني لكل أمر ذي بال، ويمدني بهمته الجامعة لأنواع الكمال، ثم ألبسني الخرقة المباركة، وهي جبة صوف من لباس المغرب، وقد ثقل علي لبسها حتى صرت أختفي من الناس مدة، إلى أن حصل لي بهمته تمام الأنس بها، ولا زالت على ظهري ثلاث سنين، ثم أمرني أن أتلون في اللباس، ثم أتيته وطلبت منه أن يلقنني الاسم الخاص، فأمهلني أياماً إلى أن تحقق مني صدق طلبي له أخذ بيدي ولقنني إياه، وقال لي اذكره يفتح الله عليك عن قريب إن شاء الله، فكنت