للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أذكره دائماً مستغرق الوقت فيه، وكلما خطر بقلبي شيء أبديته له، ولا زلت كثير الشكوى لديه، غزير التململ بين يديه، إلى أن قال لي مرة: ليس المطلوب بكثرة الأذكار والأوراد، إنما هو بنظرة الأستاذ بعين العناية والإمداد. وشكوت له مرة كثرة الوسواس والأفكار حالة الذكر، فقال لي رضي الله عنه لا بأس عليك لأنها ترد على كل ذاكر ولا تضره. وشكوت له مرة أخرى من الوهم، فقال لي هو باطل، واستشهد لي بقول القائل:

فأفنيتها حتى فنت وهي لم تكن ... ولكنني بالوهم كنت أطالع

ثم بعد ذلك أمرني رضي الله عنه بالسياحة إلى تونس، ثم بعد السياحة عدت إليه، فقال لي الآن صرت أخي ومريدي وابني، فأعطني حق ذلك وأنا كذلك أعطيك حق الأخوة بحيث لا أعمل شيئاً بغير استشارتك، فبكيت وبكى رضي الله عنه. وكنت في بعض الأيام جالساً عنده مع بعض خواص الإخوان، فأتاه إنسان برطبتين باكورة، فأخذهما وأطعمنيهما وقال لي انو ما شئت يحصل إن شاء الله تعالى، فبعد ذلك رأيته في منامي كأنه جالس رضي الله عنه بقرب منهل، ومعه جمع غفير من التلامذة، وأنا من جملتهم، فرأيت أخوتي يتزاحمون على الماء، فقال رضي الله تعالى عنه: أيكم يسقي أولادي، فأردت أن أسرع لمرادي، ثم قلت هذه مزية أوثر بها التلامذة، فما قام أحد، ثم كرر القول ثانياً وثالثاً، فقمت وسقيتهم واحداً واحداً حتى رووا، فقام رضي الله تعالى عنه ودخل بي إلى محل فيه خزانة ففتحها وأخذ منها علبة، وأخرج منها وعاء فيه حلوى بيضاء، فأخذ على إصبعه وقال لي افتح فاك فناولني ذلك، فما وجدت أحلى ولا ألذ منها، وما فضل على إصبعه مسحه على صدري، فخرجت لي منه رائحة عظيمة ما رأيت أطيب منها.

<<  <   >  >>