ثم قيل إن حضرة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المجلس، فطلعت، فلما انتهيت إلى المجلس وجدته نائماً وهو لابس رداء من صوف في غاية الحسن، فظهرت لي قدماه الشريفتان يعلوهما نور ساطع متصل بسقف المجلس، فقلت الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، فقال وعليك السلام، وجلس متربعاً، فرأيت بجنبي أحد الأحبة، فقال صلى الله عليه وسلم مرحباً بكم، ورفع جناحيه الكريمتين، وأشار لنا بالدخول تحت جناحه الأيمن، وضمني إلى جانبه فغشيني طيب روائحه، وأنعشني لطيف فوائحه صلى الله عليه وسلم، الحمد لله والشكر لله. ثم في الصباح أتيت الأستاذ رضي الله تعالى عنه وقصصت عليه ذلك، فقال لي هنيئاً لك واستوص بإخوتك خيراً فإنهم أمانة الله عندك انتهى.
ثم أنه بعد وفاة والده الأستاذ، ومرشده العمدة الملاذ، انتهت إليه رياسة الإرشاد، وطار صيته إلى أقصى البلاد، وانتفع به أهل المشرق والمغرب، ولسان العموم عن بعض فضائله يعرب. وفي سنة ثمان وستين توجه إلى الحجاز، ورجع إلى فزان وتونس سائحاً داعياً إلى الله، ثم في سنة ثلاث وثمانين توجه إلى الحجاز، ورجع إلى طرابلس الغرب، وفي سنة ثمان وثمانين عاد إلى الحجاز من طريق الآستانة العلية، وفي هذه المرة أخذ عنه الطريق حضرة السلطان الأعظم، والخاقان الأفخم، السلطان عبد الحميد خان، وذلك قبل أن يتولى أمر الملك، ثم توجه إلى طرابلس وتونس. وفي سنة إحدى وتسعين قبل خلع السلطان عبد العزيز بمدة يسير، ومن بعدها لم يأذن له السلطان عبد الحميد بالخروج من الآستانة لكثرة محبته له وأنسه بجماله واعتقاده بكماله، واجتماعه معه على الذكر والمذاكرة، وعلى المفاكهة الأدبية والمحاضرة، ولم يزل يعلو مقامه،