للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعاني المروقة في أواني المباني أقداحا، ومن سني طالعه وبهي مطالعه لا برح مستديراً محور مباهاته، على قطب لسانه بأفلاك لهواته، فيطلع من كواكب المناقب، ما يزاحم النعائم في المناكب، ويملأ ضوءها ما بين المشارق والمغارب، ويشعل في مشكاة أولي البصائر والأبصار، من مصابيح خلائقك الحسان الساطعة الأنوار، ما يذكر في مجامر الضمائر، من طيب الذكر ما هو أذكى من عنبر الشجر المعطار، له في كل ديوان لسان شاكر لإحسانك، وفي كل لسان ديوان ذاكر لامتنانك، يتلو من آيات براعتك ونيلك، وبينات مجدك وفضلك، ما يقرط بدرره المسامع، وتأخذ فرائده بالمجامع، فما من ناد إلا وعطره بنفحات شذى أخلاقك الندية، ولا من واد إلا وأفعمه برشحات ندى أياديك الندية، ولا زلنا نتناول في أثناء مفاكهاته، من فواكه شهي كلماته، ما هو في أطباق كالبدور في الإشراق على خوان أخوان الصفا موضوعة، فهي كفاكهة الجنة، وله تعالى الحمد والمنة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، ولله أبوك يا غرة جبهة المالك والمملوك، ما أسرع ما لمحته بعين عنايتك، فجعلته نصب عينك ملحوظاً برعايتك، واتخذته مستودعاً لجواهر صنائعك، مروجاً لما استصحبه من مفاخر بضائعك، وعلمت أنه ممن إذا علم أكرم، وإذا جرب قرب، وإذا اختبر ادخر، لما ظهر لك بأول وهلة من المخايل، الدالة على كرم الشمائل من الاعتدال في أحواله، والطمأنينة والتؤدة اللتان هما من بعض خلاله، لا يتطارح على زاهد فيه، ولا يظهر حرصاً على غير حريص عليه.

وليس بواقع في قدر قوم ... وإن كرموا كما يقع الذباب

وما كان سقوطه عليك وانجذابه إليك إلا كسقوط الطل على الروض المخضل، هذا وما ينقضي عجبي منه وإعجابي به وهو العندليب بل مغني اللبيب، في لحنه المعرب عن المرفوع من مقامك، والمنصوب من أعلامك، والمجرور

<<  <   >  >>