لكن ليس واحد من هؤلاء هو المهدي المنتظر، فالمهدي المنتظر واحد وهو لم يظهر إلى الآن، فيمكن حمل كلام القرطبي على غير المهدي المنتظر ممن كان خروجهم بالمغرب، ولا يمكن حمل كلامه على المهدي المنتظر لأنه إنما يظهر بمكة والناس بلا خليفة كما تقدم إيضاحه، وكذلك لا يصح قول من قال إنما يكون ظهور المهدي المنتظر من ماسة بالغمرب، فهو قال باطل لا أصل له كما نبه على ذلك العلامة ابن خلدون في تاريخه، فإنه قال: أن القول بظهوره من ماسة باطل لا أصل له، وإنما نشأ ذلك من رجل من المتصوفة خرج بالسوس الأقصى وعمد إلى مسجد ماسة وزعم أنه الفاطمي المنتظر تلبيساً على العامة هناك بما ملأ قلوبهم من الحدثان بانتظاره هنالك، وأفهمهم أن من ذلك المسجد يكون أصل دعوته، فتهافت عليه تهافت الفراش طوائف من عامة البربر، ثم خشي رؤساؤهم اتساع نطاق الفتنة فدسوا إليه من قتله في فراشه وانطفأت الفتنة. والحاصل أن الذي تقتضيه الأحاديث النبوية وصرح به العلماء أن المهدي المنتظر، إلى هذا الوقت لم يظهر، وذكروا له علامات كثيرة بعضها مضى وانقضى وبعضها باق لم يظهر، ومن أعظم علاماته أنه يصلحه الله في ليلته، وأنه من ولد فاطمة رضي الله عنها، وأنه يبايع مكرهاً لا أنه يطلب البيعة لنفسه ويقاتل الناس لتحصيلها، بل لا يبايع حتى يتهدد بالقتل، وأن ظهور البيعة له إنما تكون بمكة بين الركنين، وإن ظهوره إنما يكون عند وجود اختلاف بموت خليفة، فلا يظهر ويبايع إلا والناس بلا خليفة، فهذه الأشياء هي أقوى العلامات عليه، وله علامات كثيرة غير هذه ذكرها الذين ألفوا الرسائل في تحقيق أمره.
لكن تلك الأشياء ظنية ومختلف في كثير منها، وذلك مثل اسمه واسم أبيه وموضع ولادته ومقدار عمره وقت ظهوره، ومدة مكثه في الأرض بعد ظهوره، فكل هذه الأشياء مختلف فيها.