في حلقة الذكر والتوجه العام إلى الغروب، وبعد صلاة المغرب يتوجه لخواص السالكين، ثم يتناول العشاء حتى إذا صلى العشاء أحيا عامة ليله بالذكر والمراقبة، فإذا غلبه النوم اضطجع في مصلاه وربما نام وهو جالس ولم يعلم أنه مد رجليه لفرط حيائه كما تقدم. وكان لا يجلس إلا محتبياً كما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وكبار الأولياء كالغوث الجيلاني حتى توفي على هذه الحال. وكان حريصاً على إخفاء الصدقة فإذا فتح عليه بشيء يقسمه على الفقراء وهم في المراقبة لئلا يشعر أحد منهم بالآخر، وكان يلبس الخشن من الثياب، ولو أهدي إليه ثوب نفيس باعه واشترى عدة أثواب وتصدق بها، وهكذا في غير ذلك ويقول لأن يكتسي جماعة خير من واحد. وورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أخرجت يوماً إزاراً ورداء خشنين وقالت: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين.
وكان رضي الله عنه شديد الشفقة على المسلمين يكثر من الدعاء لهم وأكثر ما يكون في جوف الليل، وكان له جار يسمى حكيم قدرة الله يصرف أكثر أوقاته في غيبته، فحبس يوماً فسعى كل السعي في خلاصه ولم يذكر ذلك له، وكان مجلس المترجم كمجلس سفيان الثوري لا ترفع فيه الأصوات ولا تنتهك المحارم، مبرأ عن حديث الدنيا فلا يذكر فيه الأمراء ولا الفقراء، وقد استغاب بعض الحاضرين في مجلسه شخصاً فذكره وقال: أنا أحق بما قلته منه، ونال شخص في حضوره من سلطان الهند وكان صائماً فقال: وا أسفاه لقد فسد صومي فقيل له: أنتم ما ذكرتم أحداً بسوء، فقال: نعم ولكن سمعت، والذاكر والسامع في الإثم سواء، وكان عاشقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فانياً فيه بحيث إذا سمع اسمه الكريم اضطرب وغاب. وقد أحضر له خادم أقدامه يوماً ماء للتبرك وقال له: أنت منظور رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتعد عند سماع هذا الكلام، ثم قام فقبل الخادم وقال له: من أنا حتى أكون منظور رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالغ