في إكرامه، وكان شديد الحرص على اتباعه صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله قوي التمسك بالسنة دؤوباً على مطالعة حديثه، حتى توفي وسنن الحكيم الترمذي على صدره، ولم يبلغه أنه صلى الله عليه وسلم فعل شيئاً إلا وتأسى به.
وكان له في القرآن المجيد ذوق عظيم، وكان كثير التلاوة له كثير المحبة لسماعه، وكان يحب سماعه من أحد خلفائه العظام الشيخ أبي سعيد المعصومي ويتأثر تأثراً بليغاً، فإذا ازداد من السماع اضمحل وتلاشى له، وقال: حسبي لا طاقة لي بأكثر. ويحب سماع أشعار القوم والمثنوي ويحصل له من ذلك وجد، غير أنه كان لثباته وكمال تمكنه لا يظهر عليه، ويقول: رقص أبو الحسين النوري يوماً والجنيد جالس قال: " إنما يستجيب الذين يسمعون " فقال الجنيد: " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب " فالجنيد كان في غاية الثبات. ومن جملة كلامه الدال على علو مقامه، قوله: إن التخلق بالأخلاق الحسنة واجب على كل أحد، وهي الحلم التواضع والشفقة والنصيحة والموافقة للأصحاب والإحسان والمداراة والإيثار والخدمة والألفة والبشاشة والكرم والمروءة والتودد والمودة والجود والعفو والصفح والحياء والسخاء والوفاء بالعهد والسكينة والوقار والثناء والدعاء إلى الله تعالى دائماً وحسن الظن وتصغير النفس واحتقار ما عندك واستعظام ما عند غيرك.
وأما المقامات فأولها الانتباه ثم التوبة ثم الإنابة ثم الورع ثم محاسبة النفس ثم الإرادة ثم الزهد ثم الفقر ثم الصدق ثم الصبر ثم الرضى ثم الإخلاص ثم التوكل. وأما الأحوال فمن ذلك المراقبة ثم القرب ثم الرجا ثم الخوف ثم الحياء وهو حصر القلب عن الانبساط ثم الشوق ثم الأنس ثم الطمأنينة ثم اليقين ثم المشاهدة وهي آخر الأحوال، وإليها الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ومن ذلك ما كتبه في إجازته للشيخ أبي سعيد المعصومي والشيخ بشارة الله، ولغرابة