للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يرعى عهداً، ولا يحفظ وداً، عاكفاً على الملاهي واللذات، مشغوفاً بسماع الأغاني والأصوات، فساعدته يد العناية، حتى تمكن من الولاية، وطابت له الأيام، وبلغ القصد والمرام، وكان دأبه الاهتمام بإقامة العمار، وتحصين عكا بالأبراج والأسوار، وجمع الأموال من جميع الأقطار، وكان قد استولى عليه الطيش، واستخفه البطر وطيب العيش، حتى حاد عن الطريق المحمود، وتجاوز في الأحكام الحدود، وأشهر العصيان على الدولة، ذات الشوكة والصولة، أملاً بالاستقلال، وطمعاً في الجاه والأموال، ولما بلغ حضرة السلطان محمود خان، ما هو عليه من الجنون والهذيان، والتمرد والعصيان، وارتكاب الظلم والعدوان، غضب من سوء فعاله، وأرسل عسكراً لتربيته وقتاله، تحت راية البطل الهمام، درويش باشا والي دمشق الشام، فحاصره زمناً طويلاً، وأذاقه عذاباً وبيلاً، ولما اشتد عليه القتال، وأحاطت به الأهوال، وانقطع عنه الإمداد، من سائر البلاد، صحا من غفلته، واستفاق من سكرته، وداخله الخوف والفزع، واضطرب من الهلع، وأيقن أنه إذا طالت عليه تلك الحالة، يؤخذ أسيراً لا محالة، فابتدر بالعجل، لاستدعاء الأمير بشير حاكم الجبل، وكان من أفراد الرجال، موصوفاً بالفضل والكمال، وحسن التدبير وجميل الخصال، ولقد أجاد من وصفه فقال:

إنما أنت واحد غير أني ... لست أعطيك منزل الآحاد

فبماذا يبالغون وهم لا ... يبلغون الإنصاف بعد الجهاد

لك خوف لو صادف العين في م الحلم لصارت تخاف طيب الرقاد

تفخر الناس بالجدود ولكن ... أنت فخر الآباء والأجداد

وأرسله إلى الديار المصرية، ليستميل له خاطر الحضرة الخديوية، لإصلاح أمره مع الدولة العلية، وكان محمد علي باشا له وجاهة كبيرة، ومنزلة عند الدولة رفيعة خطيرة، فلبى دعوته، وأجاب طلبته، وكتب

<<  <   >  >>