للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على المتاريس الواقعة بقرب الشاطئ، فلما رأى عبد الله باشا ذلك الهول العظيم، والخطب الجسيم، ندم على عدم الطاعة والتسليم، وعلم أن نجمه قد سقط، وعقد عزه قد انحل وانفرط، وأنه عما قريب يؤخذ أسيراً، ويقاد أمام عدوه ذليلاً حقيراً، بعد أن كان والياً ومشيراً، ولكنه أظهر الصبر والجلد، وسار بالعسكر إلى خارج البلد، بقصد المدافعة والممانعة، وسد أبواب الهجمات المتتابعة، فخاض ساحة المعركة، وجرت بينهم وقعة مهلكة، قتل فيها من قواد المصريين، وأبطالها المشهورين، الشجاع المقدام، إسماعيل بك القائم مقام، وبموت هذا الأسد الغضنفر، ارتد جيش المصريين وتأخر، وضعفت عزيمته وتقهقر، فلما رأى إبراهيم باشا أن العسكر، قد أمسى في ارتباك منكر، خشي من الهزيمة والانكسار، بعد ذلك الفوز والاستظهار، فتقدم نحو جنوده بحرسه، وهو راكب على ظهر فرسه، وجعل يحرضهم على الثبات والجهاد، ويحثهم على الصبر والجلاد، ويقول هذا يوم الانتصار، هذا يوم الافتخار، هذا يوم بلوغ الأوطار، فكانوا تارة يتقدمون وتارة يتأخرون، فعند ذلك سل سيفه من غمده، وانعطف بالحملة أمام جنده، واقتحم مواكب الأعداء فشق الصفوف والكتائب، وأظهر بشدة شجاعته وبسالته العجائب، فتشجعت عزيمة العساكر، من هيبة هذا البطل الكاسر، وداخلتهم الحماسة والفتوة، وكروا على أعدائهم بكل نشاط وقوة، فسدوا عليهم الطرق والطرائق، وأثخنوهم بضرب السيوف والبنادق، وأزاحوهم إلى ما وراء الخنادق، ثم قويت عزيمة المحصورين، وانعطفوا بالحملة على المحاصرين، وحينئذ اختلط الرجال بالرجال، والأبطال بالأبطال، والتحم القتال، واتسع المجال، وعظمت الأهوال، وجرى الدم وسال، وتمكنت الصوارم، في الرقاب والجماجم، والحراب والخناجر، في الصدور

<<  <   >  >>