للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما معنا من الزاد، وسارعنا بعد ذلك إلى الرقاد، فهاجمتنا بالسير الحثيث، جيوش البراغيث، تدب الضراء، وتمص الدماء، ولله در القائل:

وليلة بتنا لدى معشر ... قد غرت الناس أحاديثهم

فما أكلنا عندهم قدر ما ... قد أكلت منا براغيثهم

ولكن غلب علينا النوم، من تعب ذلك اليوم، حتى عطس الفجر بالأذان، وتنفس الصبح بأذن الرحمن، وأقبلت جيوش النهار من شرقها، وولت رايات الليل إلى غربها، وأشرقت الأرض بنور ربا، فبادرنا إلى المسير، يدل بنا على الدرب فارس خبير، جمعنا معه في الطريق لطف التقدير، لا عمل التدبير، حتى انفصل عنا منحرفاً لبعض القرى، بعد أن أشار لنا إلى طريق واضحة المسالك لمن يرى، فمضينا حتى انتهينا إلى الزبداني وهي قرية كثيرة الغراس، عامرة بالناس، فمكثنا بها حيناً للاستراحة من تعب السفر، وأخذها منها للوازم الغذاء بعض ما حضر، وأردنا أن نستأجر من أهلها من يرشدنا إلى المسالك، فكأن المكاري أنف من ذلك، فزعم أنه لن يضل بعد الآن، وأنه يعرف باقي الطريق حتى العرفان، وأكد الكذب بالأيمان:

وأكذب ما يكون أبو المثنى ... إذا آلى يميناً بالطلاق

فخرجنا، حتى وصلنا، رأس عين سائغة صافية، لدى ظلال سابغة ضافية، فنزلنا وأكلنا، واسترحنا وانشرحنا، ثم سرنا أميالاً، نعدها طوالاً، فصادفنا رجلين من السفار، من أهل تلك الأقطار، فعرفنا منهما أننا قد انصرفنا عن القصد ببعد، وانحرفنا بالكلية عن الطريق ولله الحمد من قبل ومن بعد، فاستصحبنا منهما من ردنا إلى الطريق المقصود،

<<  <   >  >>