[التوسل إلى الله عز وجل بهزيمته للأحزاب]
وقوله: (هازم الأحزاب)، هذا توسل ثالث أو رابع إذا عددنا لفظ (اللهم) توسلاً إلى الله عز وجل بألوهيته، ففيه التوسل إلى الله بأنه هازم الأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه عز وجل قد هزم كل الأحزاب الذين تحزبوا على الأنبياء ليأخذوا الأنبياء، وليوقفوا دعوتهم، كما قال سبحانه وتعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر:٥].
فالجزاء من جنس العمل، وذلك أنهم أرادوا أخذ الرسل، وإيقاف دعوتهم وإهلاكهم، وأرادوا أن يضمحل هذا الدين، واستعملوا في ذلك وسائل البطش ووسائل الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق، ووسائل الإعلام الفاسد بالإضافة إلى القوة والبأس، فاستعملوا ذلك حتى أوشكوا أن يأخذوا الرسل، وأن يقتلوهم، قال عز وجل: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠].
ويكادون يصلون إلى غايتهم التي يظنون أنهم واصلون إليها، وفي اللحظة الأخيرة تتغير الأمور، ويظل الأمر يسير رويداً رويداً كما سار فرعون رويداً رويداً خلف موسى ومن معه، إلى أن تراءى الجمعان، وكما دبر إبليس مع المشركين خطة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل الهجرة مباشرة، وأحاطوا بالبيت فعلاً، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يتلو قول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:٩]، فكما لم تبصر قلوبهم الحق الذي بعث به، كذلك لم تبصر أبصارهم جسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج وهم يستعدون للفتك به، قال عز وجل: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} [غافر:٥].
فالله عز وجل يأخذ من أراد أخذ ما جاء به الأنبياء؛ فإنه سبحانه وتعالى هازم الأحزاب.
ولنتأمل هذه الغزوة العظيمة التي جعل الله فيها من آياته ما يتوسل به المؤمنون في مواطن مختلفة من دعائهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من استعمال ذكر هزيمة الأحزاب، ويتوسل إلى الله بذلك، كما كان يقول في هذا الدعاء: (هازم الأحزاب)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه على الصفا والمروة: (لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، فهو سبحانه وتعالى لم يهزمهم من خلال المؤمنين، وإنما هزمهم وحده بآياته سبحانه وتعالى.
فكل من تحزب على الأنبياء وعلى دعوة الحق فهو من الأحزاب، كما قال سبحانه وتعالى عن قوم ثمود وفرعون وعاد ولوط: {أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ * إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ} [ص:١٣ - ١٤]، فالله سبحانه وتعالى جعل من تحزبوا ضد الإسلام واجتمعوا عليه رغم تفرقهم في غير ذلك مهزومين بقدرته عز وجل، فغزوة الأحزاب غزوة مليئة بآيات الله سبحانه، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا * لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب:٩ - ٢٧].
فاللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، سريع الحساب، اهزم أعداء الإسلام وزلزلهم وانصرنا عليهم.
اللهم انصرنا على القوم المفسدين، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك من القوم الكافرين.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم نج المستضعفين من المسلمين في كل مكان.
اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين.
اللهم انصر الدعاة إليك والمجاهدين في سبيلك في كل مكان.
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا.
اللهم اهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا هداة مهتدين.
ربنا أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغوا علينا.
اللهم اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، لك مطواعين، لك أوابين، لك مخبتين، إليك أواهين، وتقبل توبتنا، واغسل خبثنا، وثبت حجتنا، وأجب دعوتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، وسل سخائم صدورنا.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.