للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من شروط صحة الإيمان التوكل على الله]

قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس:٨٤].

هذا الدور العظيم الذي يقوم به نبي الله موسى، والذي يجب أن يقوم به المؤمنون في تواصيهم بالحق، وإن من أعظم التواصي بالحق الذي أمر الله عز وجل به: التواصي بالتوكل على الله، وهو شرط في الإيمان وشرط في الإسلام، أو بالحقيقة هو ركن من أركانهما، بمعنى: أنه لا يصح إيمان عبد إلا بالتوكل على الله سبحانه وتعالى، وكذلك إسلامه الظاهر والباطن إسلامه الكامل، وهذا من المواطن التي اجتمع فيها الإيمان والإسلام، وكانا بمعنى واحد ((وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا)) أي: عليه وحده، واحتسبوا عند الله سبحانه وتعالى توكلكم ذلك، وهذا الذي يجب أن تهتموا به في مواجهة ما يكيد به فرعون، وما يفتن وما يخطط وما يدبر، فالتوكل على الله خصوصاً عند انعدام الأسباب، كما قال عز وجل مبيناً قول موسى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨]، {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [يونس:٨٤].

فموسى عليه السلام يوحي في قلوبهم، ويجدد في قلوبهم معاني الإيمان والإسلام، وهذا التوكل على الله سبحانه وتعالى هو: اعتقاد بأن الله وحده النافع الضار المعطي المانع الخافض الرافع القابض الباسط مالك الملك المحيي المميت وحده لا شريك له، فلا يملك الناس لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا يملكون ذلك لغيرهم، ولا لأنفاسهم التي تتردد، وقلوبهم التي تنبض، والدم الذي يجري في عروقهم، كل ذلك لا يملكون منه ذرة، ولا يستطيعون استمراره ولا إيقافه، ولو حصل لهم من ذلك شيء، بأن يتوقف وينتهي ما استطاعوا دفعه، وهذا أمر بديهي لا ينكره عاقل، فلا يوجد من يقول: أنا الذي أجعل القلب يدق، ولا يوجد من يتصور أنه هو الذي يجري الدم في عروقه، ومع ذلك فأكثر الناس في غفلة عن هذه العقيدة التي هي أوضح من شمس النهار: أن الله وحده هو النافع الضار، ثم العمل بناء على هذا الاعتقاد في كمال الوثوق بالله عز وجل، وفي جلب مصالح الدين والدنيا والآخرة، ودفع المضار عن العبد في دينه ودنياه وآخرته، وهذا التوكل على الله عز وجل من أعظم صوره التوكل عليه في أمر الآخرة، ثم التوكل عليه سبحانه وتعالى في هداية الخلق، ليس فقط في تحقيق عبودية نفسك، فتتوكل عليه في خاصة نفسك، بل تزيد إليه أن تتوكل عليه في تحقيق العبودية في الأرض لله سبحانه وتعالى، وتتوكل عليه في نصرة الدين، وهذا هو توكل الأنبياء والأولياء خاصة، وإن توكل أنبياء الله عز وجل في أن ينصر الله عز وجل دينه رغم انعدام الأسباب التي بأيديهم، ورغم ضعفهم وعجزهم، لهو من أعظم الأسباب التي يقويهم الله عز وجل بها، ويعينهم بإرادته على كسر الجبارين، وفي التمكين للمستضعفين، فهي إرادة ماضية لا يقف شيء أمامها، فتمضي حيث يشاء سبحانه، وحين يشاء سبحانه وتعالى.