[الشيطان العدو الأول]
عدوك اللدود يقف لك بالمرصاد، ويريد أن يصدك عن الالتزام بطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الشيطان الرجيم، فإذا علمت أن عدوك هذا يريد أن يسرق منك هذا الكنز العظيم فلابد أن تدرك قيمة هذا الكنز، ولابد أن تحرص عليه، وتسبق إليه، وتحوطه وتحميه، وإذا لم تكن قد وصلت إليه بعد فسارع قبل أن يفوتك، وإذا علمت أن عدوك اللدود يقف لك بالمرصاد فيضع الحواجز والعقبات ليمنعك من الالتزام، فتحرم من الفوز بهذا الكنز العظيم: كنز الاقتراب من الله عز وجل، وحبه سبحانه وتعالى، ومخافته والشوق إليه، وعبادته بكل أنواع العبادة، فلا بد من الاجتهاد في مدافعته؛ لأنه لا يتركك، بل يحاول معك من داخلك ومن خارجك، يحاول معك جاهداً أن يبعدك عن حقيقة الالتزام، فيستغل ما فطرت عليه من رغبات وإرادات وشهوات، لكي يدفعك لترتكب الحرام وإن كنت في ظاهرك أو في قناعتك قد التزمت، فغايته أن يبعدك، ولذا يسلط عليك أولياءه وأعوانه لينالوا منك أنواع الأذى إن لم يستطيعوا أن يأخذوك بعيداً عن الكنز الذي يريد أن يسرقه منك؛ لأنه حرم هذا الكنز، فقد رُفع في الملأ الأعلى، ثم طرد وأبعد وأهبط وصغِّر وحُقِّر لما تكبّر وأبى، ورد أمرَ الله سبحانه بما وقع في قلبه من الحقد، والحسد، وكل ذلك أدى به إلى الكفر -والعياذ بالله- فهو يحسدك -أيها المسلم- على ما من الله عز وجل عليك به من هذا الدين، وما يرزقك ربك سبحانه وتعالى من معرفته، ومحبته، فهو لشدة غيظه يكاد يموت لولا أن الله كتب له البقاء إلى يوم يبعثون.
فإنه إذا شاهد إنساناً قد سلك طريق الالتزام والقرب من الله سبحانه وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، زاد حنقه وجزعه، ولذا لابد أن تعلم أنك في حرب ضروس، فتستشعر خطورة هذه الحرب، وبالتالي تقف على كل الصفوف، وتدافع عن نفسك، فقلبك هو أرض المعركة الذي يراد أن يلقى في سجن الشهوات والرغبات المحرمة وسجن الشبهات المضلة والأفكار والتصورات الردية التي تهلك الإنسان، فأنت أرض المعركة، وأنت من يريدون أن يأخذوه بعيداً عن أن يقترب من الله عز وجل، وأن يحب الله سبحانه وتعالى.
من هنا نقول: هذا السؤال ليس موجهاً إلى غير الملتزمين فقط، بل هو موجه إلى الملتزمين أيضاً؛ لأن الالتزام -كما ذكرنا- بحاجة إلى رعاية وحراسة، وإلى ازدياد؛ لأنه إذا لم يزدد نقص، وإذا توقف أدركه الأعداء قطاع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، قال الله، قال الله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:٦]، فلابد أن تدرك هذه العداوة وتعد للحرب عدتها.
تصور أن دولة يُعِدُ الأعداء العدة لحربها وقادتها ومن فيها يلهون ويلعبون ولا يفكرون بالحرب، ولا بإعداد العدة، ولا بوضع الخطط، ولا بتحصين الثغور، ماذا تكون النتيجة؟! لذلك نقول: إن أول موانع الالتزام هو الشيطان، وإن مما تقاوم به شيطانك أن تستشعر عداوته، ولم يكتف ربنا سبحانه وتعالى بأن أخبرنا بعداوته لنا بل قال: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا))، لأنك بمجرد أن تقول لإنسان: فلان عدو لك، فإنه تلقائياً إذا صدق الخبر أخذ منه موقف العداء، لكن الله سبحانه قال: ((فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)) وهذا تأكيد، لماذا؟ لأن كثيراً من الناس يعلم أنه عدوه وفي نفس الوقت يتخذه ولياً والعياذ بالله فيطيعه ولا يستحضر عداوته، وينسى تلك العداوة بعد حين، بل يجعله راعيه كمن جعل الذئب راعي للغنم، ويجعل من همه وإرادته إضلاله وتوصيله إلى السعير ولياً له! قال عز وجل: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف:٥٠].
فإنهم تولوه حين اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون.
ولذا لا بد أن تعلم أن الشيطان يجري منك مجرى الدم، وهذا يقتضي منا حراسة الثغور، وأكثر الناس يؤتون من قبل عدم أخذ العدة، فيتركون الثغور التي ينفذ منها الشيطان إلى القلب، فيترتب على ذلك الامتناع عن الالتزام، وأن يدخل العدو إلى القلب، فهناك ثغر العين، وهناك ثغر الأذن، وهناك ثغر الفم، وهناك ثغر البطن، وهناك ثغر الفرج، وهناك ثغر اليدين والرجلين، فكلها ثغور إن لم يكن عليها حراسة دخل العدو إلى الأرض، فاستباح الحرمات، وأسر الملك، وصرّف هذه الجوارح في غير مرضاة الله سبحانه وتعالى، صرفها في غير مصلحتها، واستعمر المكان يعني استخربه في الحقيقة، وألقى القلب في السجن، وأمَّرَ النفس الأمارة بالسوء، وهذا كما نرى في الدول فعلاً، عندما يحتل الأعداء البلد يأتون بعملاء، ثم يوجهونهم ويأمرونهم، وهم ينفذون لهم خططهم، فهو يؤمِّر النفس الأمارة بالسوء؛ لتتصرف في الجوارح، ولتجعل كل الثغور مستغلة لمصلحة العدو والعياذ بالله.
كثير من الناس بدل أن ينظر إلى آيات الله سبحانه وتعالى بعينه فيتفكر في خلق السماوات والأرض، وينظر في آيات الله المكتوبة فينظر في المصحف، وينظر في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كتب العلم؛ تجده ينظر ليل نهار فيما حرم الله عز وجل عليه، ينظر إلى العورات المكشوفة، ينظر إلى ما يهيج عليه شهواته، وسائر المفاسد متعلقة بثغر العين وهي كثيرة جداً، فلا بد أن تقف بالمرصاد لتحرس هذا الثغر وتمنع وصول مدد الأعداء إليه، فتغض بصرك عما حرم الله عز وجل، كما قال عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠]، فهذا من أعظم موانع الالتزام، أعني ترك ثغر العين مفتوحاً بلا حراسة، وعدم تحقيق غض البصر، وإطلاقه إلى العورات المكشوفة في الطرقات وفي وسائل الإعلام من فيديو، وتلفزيون، ومجلات، ودش، والبحث عما حرم الله سبحانه وتعالى من ذلك، كل ذلك من أعظم أسباب الانحراف؛ لأنه أقصر المداخل إلى القلب، فالعين إذا لم تحرسها وتدفعها من النظر إلى الحرام دخل الشيطان بأسهل طريق إلى القلب وسيطر عليه وقذف فيه حب الشهوات، والشهوة الجنسية من أقوى الشهوات الإنسانية، حتى لقد قال الزنادقة والكفرة: إن الشهوة الجنسية هي المحرك الأساسي لعالم البشر، وإنها هي التي تدور حولها كل رغباتهم وإراداتهم، وكذبوا في ذلك، فالإنسان أعلى قدراً من هذا، ولكن قلوبهم المطموسة وأفكارهم المنكوسة هي التي أدت بهم إلى أن يقولوا: إن الشهوة الجنسية هي المحرك الحقيقي لكل رغبات الإنسان، لكنها بلا شك من أقوى الشهوات، ولا يمل الناس منها، فهل وقف الغرب عند حد في أمر الشهوة الجنسية؟! هل توقفوا وزهدوا في هذه الشهوة؟! هل زهدوا في هذه المناظر مع أنهم يرون ليل نهار أنواعاً من الفتن والمضلات؟! لا.
لذلك نقول: لابد أن تحرص على غض البصر، فهذه الشهوة تجر شهوات بعدها، فشهوة الفرج مبنية على شهوة العين في المقام الأول، وكم يأتي الصيف بأنواع المصائب، وإن كان الصيف والشتاء في زماننا قد صار مليئاً بالمصائب بهذه الملابس الضيقة وهذه العورات المكشوفة وهذا التبرج والسفور المنكر الذي حرمه الله عز وجل وبين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه من الكبائر، قال عز وجل: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)، فالله سبحانه وتعالى حرم الجنة على هؤلاء المتبرجات، (لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)، وإني لأعجب لماذا تفتح على نفسك باب الشهوات من خلال النظر؟! بل كثير من الشباب من موانع التزامه الحقيقي أنه يستسلم للشهوة الجنسية، إما بأن يسير مع الفتيات المنحلات، وإما بأن يرتكب العادة السيئة المعروفة بالعادة السرية (الاستمناء)، وإما بأن ينظر إلى الصور العارية، وذلك يفتح عليه أبواب الفتنة، التي لو سدها من أول الطريق لكان ذلك من أعظم ما يعينه على الالتزام.
كما أن حراسة الخواطر من أهم الأبواب وأعظمها؛ ولا شك أن ثغر العين هو المفتاح، والصورة المحرمة تشمل الشكل الحي وتشمل أيضاً الصورة المرسومة أو المجسمة أو المتحركة التي تراها في وسائل الإعلام، بل كلام العلماء من السلف على عشق الصور مقصودهم به: الصورة الحسية كالنساء والولدان وغير ذلك، فمثل هذا الأمر لابد من الحذر منه، أن يحرس الخواطر عن التفكير حتى يبتعد عن هذه الشهوة المحرمة، فعليه أن يتقي الله عز وجل في تفكيره في تلك اللحظات التي يقضيها بمفرده غارقاً في أحلام يقظته، فالخواطر من أعظم الأسباب الجالبة للمنكر، ومثال ذلك إنسان يمشي بسيارته على أسرع ما يمكن، وهو يريد أن يوقفها بعد عدة أمتار عند حاجز معين، فيظل يزيد من سرعة السيارة، ويجعلها تنطلق بأقصى سرعة، فلا يمكنه ذلك لزيادة السرعة، وكان عليه وهو يريد أن يقف عند حد معين أن يهدئ السرعة بالتدريج حتى يقف عند الحد المطلوب، أما أن يسير بأقصى سرعة ومِن ثم يوقفها مرة واحدة فهذا غير ممكن.
وكذلك الإنسان الذي يداوم على استحضار الأفكار ويتخيل أنه سوف يفعل كذا وكذا وكذا، مستحضراً للصورة في ذهنه، خصوصاً قبل النوم، أو في أماكن الخلاء كالحمام وغيره، فإذا ظل يفكر في هذه الشهوة، فإنه ولا شك سوف يعجز عن أن يوقف هذه الشهوة عند حدها، وسوف يمارس العادة السيئة، أو يسعى في نيل الحرام والعياذ بالله.
وأهل الباطل يزينون لكثير من الشباب أن بعض العلاقات تخفف الشهوة، فيدعون إلى الصداقة البريئة -كما يزعمون- مع الفتيات، ويبيحون الاختلاط، بحجة أن هذه الأمور تهدئ الشهوة الجنسية، وإليك ما قاله علماء الغرب، والحكمة تؤخذ من كل قائل لها، وأبلغ ما يكون ذلك من الأعداء الذين ابتدعوا هذا الاختلاط، فهذا خبر منشور في الجرائد وعلى النت، وهو أن الهيئات التعليمية الأمريكية أع