[قوة الشعوب والأمم في إيمانها لا في عدتها وعتادها]
السؤال
الناس اليوم لا تعرف إلا رغيف العيش والحياة المستورة؛ لضغط الظروف الاقتصادية عليهم، فكيف نطلب ممن همه رغيف العيش أن يعمل للإسلام، وكيف نعالج من حاله: لا حياة لمن تنادي؟
الجواب
أنا موقن أن هناك حياة في من أناديهم، وانظر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كانوا ثلاثمائة مع أبي عبيدة رضي الله عنه في سرية زادها جرام تمر، ومصير كل واحد منهم وهم يذهبون إلى قتال الأعداء تمرة كل يوم، وفات أحدهم ذات يوم تمرته فوقع الرجل لعجزه عن الحركة حتى شهد له أصحابه أنه لم يأكل تمرته فأعطاها له، ونفد التمر حتى أخرج الله لهم حوت العنبر، فهؤلاء كانت عندهم همة للإسلام.
وحديث صحيح يرويه ابن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى عيادة سعد بن عبادة ومعه خمسة عشر صحابياً تقريباً، وليس عليهم قمص، ولا عمائم، ولا أردية، ولا خفاف، ولا نعال، إلا الأزر، فهذا كان حال أهل الإسلام الأول، وهؤلاء هم الذين أدخلنا الله بهم في الإسلام، وهم الذين جاهدوا وتحملوا الصعاب حتى انتصر الإسلام، ورغيف العيش الذي تهمه وتقلله في نظرك يصبح بكثرة تذكر الآخرة، وبكثرة التذكر للقاء الله عز وجل، وبتعظيم ما عظمه الله عز وجل من معاني الإيمان نعمة عظيمة، وتشعر بأنك قد أخذت كثيراً جداً، وحينها اعلم أن الله عليك بفهم آية؛ لأنك أغنى من كل أصحاب الملايين؛ ولأنك تذوقت طعم آية أو حديث عرفته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ذقت حلاوة سجدة دعوت الله فيها صادقاًَ من قلبك.
روى سهل بن سعد قصة زواج الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابي الذي يريد أن يتزوجها وليس معه إلا إزار، فيقول سهل رضي الله عنه: ما له رداء، ويقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فالتمس شيئاً، فذهب يلتمس وأتى وقال: لم أجد شيئاً، فقال: اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد، فذهب يبحث ثم رجع ولم يجد خاتماً من حديد، قال: لكن يا رسول الله! هذا إزاري فلها نصفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما تصنع بإزارك! إن لبسته لم يكن عليها منه شيء)، وتخيلوا أن الإنسان يتزوج ولا يجد شيئاً، إذ لو كان عنده نعل لأعطاه، ولو كان عنده رداء لأعطاه، فهو لا يجد في البيت شيئاً ولا حتى خاتماً من حديد، فهذه طبيعة الحياة التي عاشوها، فكانوا دعاة ومجاهدين لا يبالون بالدنيا، ولنقرأ كتاب فضل فقر الصالحين، ونتشبه بهم في الكماليات، ولسنا قادرين أن نستغني عنها، حتى أصبحت بالنسبة لنا ضروريات، وانظروا إلى من أراد أن يتزوج كيف يشترط عليه شروط، ويشترط عليهم شروطاً فوق طاقة الأب الذي سيزوج ابنته، وهذا مثال فقط حتى نرى ما نحن فيه من العبث.