للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ممارسة قوم لوط للكثير من الجرائم الموجبة لسخط الله]

وكان من منكراتهم أيضاً ما ذكر الله عز وجل عنهم أنهم كانوا يأتون الفاحشة وهم يبصرون، وهذا منكر إضافي يفعله كثير من الناس في أرجاء الأرض اليوم أنهم يأتون الفاحشة أمام أعين بعضهم بعضاً، على الرغم من أن كثيراً من الحيوانات تستتر عند هذه الفعلة، وهؤلاء وصل انحطاطهم إلى أسوأ من كثير من البهائم، فصاروا يأتون الفاحشة أمام أعين بعضهم بعضاً كما يفعله المجرمون.

بل في زماننا ما هو أشد إذ صار الناس يفعلون هذه الفواحش أمام العشرات كما هو المعهود في تلك اللقاءات وأمام الآلاف والملايين، حين نشروا هذه النجاسات على وسائل الإفساد في الأفلام وأنواع الأشرطة والصور والمجلات والقنوات الفضائية وغيرها مما ينشر هذه الفواحش أمام الملايين، ففاقوا قوم لوط فيما فعلوا وفيما اجترموا من الكفر والعياذ بالله.

فصاروا يأتون الفاحشة عياناً أمام البشر، وتسجل هذه الجرائم حتى بعد موتهم، فلا تزال صور هؤلاء الكثيرين وأفلامهم بعد موتهم باقية ينشر بها الفساد، والعياذ بالله.

وكذلك ذكر الله عز وجل عنهم أنهم يأتون في ناديهم المنكر، فكانوا في مجتمعاتهم وفي لقاءاتهم يأتون هذه الفواحش والعياذ بالله.

وكذلك كانوا يأتون مقدمات الفواحش والفواحش نفسها في مجتمعاتهم ونواديهم، كما هو الحال في كثير من النوادي والمجتمعات التي يجتمع فيها الشبان والفتيات وإن كان الذكران من قوم لوط يفعلون الفاحشة بعضهم مع بعض إلا أن الفاحشة كلها محرمة، وكلها كبيرة من الكبائر، وفعلها في النوادي والمجتمعات علانية من أفظع المنكرات المستوجبة لعقاب الله للجميع.

وذكر الله عز وجل أنهم كانوا يقطعون السبيل كما قال لوط عليه السلام: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ} [العنكبوت:٢٩].

فهم والعياذ بالله كانوا يقطعون السبيل، لأخذ الأموال أو لأخذ الفروج وانتهاك حرمات المارين من الأضياف وغيرهم، وهذا والعياذ بالله أيضاً من أشد أنواع قطع الطريق والمحاربة لله، والإفساد في الأرض، فالذي يختطف صبياً أو امرأة أو غير ذلك ليفعل به الفاحشة ويستعمل في ذلك السلاح ليس حده حد الزنا وإنما حده حد الحرابة والقتل قطعاً كما قال سبحانه وتعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب:٦٠ - ٦١].

فإذا كان هذا فيمن يراود الفتيات المسلمات عن أنفسهن فكيف بمن يغتصب النساء ويغتصب الصبيان ويفعل بهم الفواحش؟! وهذا والعياذ بالله أشد من الاعتداء على النفوس بالقتل عند كثير من الأطهار والعقلاء، ولا شك أنه أشد من أخذ الأموال، وهذا الأمر يحتم قتل من فعل هذه الفواحش بقطع الطريق واستعمال السلاح، وانتشار هذا في مجتمع من المجتمعات دليل على قرب هلاكه وخسرانه والعياذ بالله، ولا بد أن يتكاتف أفراد المجتمع كلهم من أجل منع هذه الفواحش وإغاثة من يتعرض لقطع الطريق.

وكل هذه الفواحش كانوا يفعلونها بالإضافة إلى تركهم أزواجهم اللاتي أحلهن الله عز وجل لهم، فتركوا أزواجهم، وقد ذكر غير واحد من السلف: أنه اكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وكانت النساء راضيات بهذه الفواحش لاستقرار مبدأ الحرية الفاجرة الإباحية التي لا تلتزم بشرع عندهم، ولذا هلكت النساء أيضاً رغم أنهن متروكات قال تعالى: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء:١٦٦].

ومع ذلك أهلكن فيمن هلك ولم ينجُ إلا بنات لوط عليه السلام الطاهرات العفيفات، وذلك أن الرضا بالمنكر منكر، والرضا بالكفر كفر والعياذ بالله، والذي يرضى بالباطل مبطل وهو مثل الذي يفعله، فمن غاب عن المعصية ورضيها كان كمن حضرها، ومن حضرها فكرهها وأنكرها كان كمن غاب عنها، فالله سبحانه وتعالى جعل هؤلاء القوم عبرة للأمم عبر العصور، وجعل الله سبحانه وتعالى قصتهم فيها من العبر والعظات.

كذلك رد شرع الله عز وجل كفر مستقل، ولم يذكر الله عز وجل عن قوم لوط في فعلهم السيئات عبادة الأوثان وإن كان يحتمل أن يكونوا يعبدون الأوثان، لكن الله عز وجل لم يذكر ذلك في موضع من مواضع ذكر القصة المتكرر في القرآن الكريم، وإنما ذكر تكذيبهم للوط عليه السلام وهذا قدح في الإيمان بالله كما ذكرنا، وإنما الذي دفعهم إلى التكذيب استمراؤهم لهذه الفاحشة الكبيرة، وأنهم تعودوا عليها، والإنسان لا يقوى أن يعيش دائماً على منكر يشتهيه ونفسه تحدثه بأنه يرتكب أكبر الكبائر؛ فإن هذا الصراع الداخلي دائماً يدفعه إلى أن يترك أحد الأمرين؛ إما أن يترك الفاحشة، وإما أن يترك الإيمان، وقليل من الناس من يحافظ على أصل إيمانه رغم وقوعه في الفواحش وهو مرتكب الكبائر، فالمعاصي بريد الكفر والعياذ بالله، وغالباً ما تؤدي إليه، وسوء الخاتمة متوقع لمن يحافظ على هذه الكبائر التي إن فعلها الإنسان ولم يستحلها ولم يرد شرع الله لم يكن خارجاً من الملة ولكنه على وشك الوقوع، ولذا كان هؤلاء القوم كذلك، وغالباً ما تجر هذه الفواحش وفعلها علانية إلى السخرية من شرع الله سبحانه الذي حرم هذه الأمور، ومن محاولة فرضها على الناس وإلزامهم بقبولها والرضا بها، وهذا واقع مشهود، فتجد أكثر من يرتكب هذه الفواحش من الزنا واللواط وغير ذلك دائماً يستهزئ بالأطهار ويسخر منهم كما قال قوم لوط في جوابهم للوط عليه السلام كما قال عز وجل: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:٥٦]، وهذه والعياذ بالله جريمة جديدة: وهي أن الطهارة أصبحت عندهم تهمة، وهذا حال كثير من الأمم والمجتمعات التي تجرم فعل طاعة الله، وتجرم العفاف والطهر والتستر، ويسنون ما يشاءون من قوانين باطلة يزعمون فيها تحريم ما أمر الله عز وجل به من التستر.

إن الأرض لله قد كتب أنه يرثها عباده الصالحون، فالأرض لأهل الإيمان والصلاح والإسلام لهم أن يحلوا فيها حيث شاءوا ولا يمنعون من مكان؛ لأن الأرض لم يرثها الكفار من أحد وإنما الأرض لله، فكيف يمنع مسلم من أن يعبد الله عز وجل في جزء من أرض الله؟ وعبادة الله شاملة للعبادات والمعاملات، فهي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، فهذا من أعظم الباطل، وهؤلاء القوم ينادون بالحرية المطلقة، وحرية الإنسان مع أخيه الإنسان ثابتة في حدود شرع الله عز وجل، ولكن إذا كانت حريته مع شرع الله بأن يفعل وأن يترك الشرع وأن يرده فهذا والعياذ بالله منهج قوم لوط وقوم شعيب الذين قالوا: {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:٨٧] يقولون ذلك استهزاء بشعيب، ويرون أن الأموال يفعلون فيها ما يشاءون، وقوم لوط يرون أنهم يفعلون في الفروج ما يشاءون، ويريدون إخراج من يأبى قبول باطلهم، فالقوم الذين في زماننا لهم سلف من هؤلاء المجرمين والعياذ بالله، ولذا عاقبتهم مثل عاقبتهم إن شاء الله، وإن كان قد يصير لهم الأمر سنوات كما قد مد لقوم لوط وهو سبحانه يستدرج المجرمين من حيث لا يعلمون، قال تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:٤٤ - ٤٥].

ثم تكون العاقبة بعد ذلك آية من آيات الله، وإن كان كثير من الناس يستعجل ويقول: قد طال المدى وكثر الكفر والفساد والفجور، والله سبحانه وتعالى قدر كلما اقتربت الساعة ازداد الفساد في الأرض، وإنا لله وإنا إليه راجعون.