[الدعاء يغير الأرض والتاريخ]
فالأمور العظيمة تحتاج إلى تهيئة، بل ما يقدره الله عز وجل لعباده المؤمنين يعطيهم إياه وهم يسألونه عز وجل في دعائهم وصلاتهم.
ألم تسمع قول الله عز وجل: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران:٣٩]؟ وقال سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس:٨٩]، فهذه الأرض يتغير وجهها بدعوة من صادق قانت خاشع لله عز وجل، وانظر إلى مكة المكرمة، فقد كانت أرض قفر بين جبال لا نبت فيها ولا ماء، فما الذي يدفع قلوب ملايين البشر عبر السنين أن تأتي إلى هذه البقعة العجيبة؟ إنها دعوة إبراهيم عليه السلام: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧]، فلقد غير وجه هذه البقعة إلى يوم القيامة، فهي بقعة يأتي إليها ملايين البشر كل عام، وهم مشتاقون إلى المزيد، وكل ذلك بسبب دعوة من إبراهيم عليه السلام، فهي دعوة تغير بها وجه الأرض.
وهذا كما تغير وجه مصر بهلاك فرعون وجنده في لحظة من اللحظات بدعوة من موسى عليه الصلاة والسلام {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس:٨٩].
وكذلك دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم حين قام طويلاً في ليلة بدر، فتغير وجه التاريخ، ولولا فضل الله عز وجل بنصر المسلمين في غزوة بدر لما عُبد الله عز وجل في الأرض بعد ذلك اليوم، قام النبي يستغيث {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:٩]، فاستجاب الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم.
ودعوة من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الأحزاب غيرت أيضاً وجه التاريخ، وصار الكفر ينتقل إلى الدفاع بعد أن كان مهاجماً.
فأرسل الله الريح والجنود التي لم يرها الناس، فانصرف عشرة آلاف من الأحزاب بعد أن أوشكوا أن يصلوا إلى غايتهم من اقتحام المدينة، واستئصال الإسلام، لكن ينقلب الأمر في لحظة بدعوة صادقة، وانقلب الأمر على يهود بني قريظة في تلك الليلة بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأن قلوبهم متعلقة بالله راجية لفضله، فبالدعاء يتغير وجه الأرض ومسار التاريخ، ومسار الأحداث كلها يتغير بالصلاة.
فاجتهدوا عباد الله! في هذه الأيام المباركات والليالي الفاضلات أن يتغير حالنا إلى ما يحب الله عز وجل ويرضى، وذلك بكثرة الاجتهاد في الدعاء والتضرع، ولا بد أن تحيا القلوب وتحضر؛ فإن الله لا يقبل دعاء من قلب غافل، وربما تنقلب الموازين بعد أن تصل إلى نهايتها من حيث لا يشعر الناس، ويأتي الكفرة من أمر الله ما لم يكونوا يحتسبون، ويأتي أعداء الإسلام من المنافقين ما لا يعلمون، وهو عز وجل يملي لهم، وكيده متين، ولكن أين هذه القلوب؟! فاجتهدوا أن تكونوا من أصحابها {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:١٨٦].
وليكن الاعتكاف عكوفاً بالقلب على الله، والنية على إرادته، وإخلاصاً لوجهه سبحانه قبل أن يكون ملاءة تفردها في المسجد، أو خباء تصنعه لكي يخلو بك من يريد مسامرتك، ومن تريد محادثته، وأنت في غفلة عن حقيقة الاعتكاف، فالاعتكاف أصلاً: عكوف القلب والهمة قبل أن يكون عكوف البدن.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اليهود والنصارى والمنافقين وسائر الكفرة والملحدين، وأصحاب الضلالة دعاة السوء.
اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين! اللهم نج المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم وانصر المسلمين في فلسطين والشيشان.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم احفظ دماء المسلمين في كل مكان، واحفظ أموالهم وأعراضهم يا رب العالمين! اللهم انصرنا على عدوك وعدونا، اللهم أنزل بأسك الذي لا يرد على القوم المجرمين: باليهود المعتدين، والنصارى المحاربين الذي يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وبالمنافقين الظالمين الذين يصدون عن سبيلك.