يقول ابن القيم: وفي ذكر قدرته ههنا نكتة لطيفة، وهي: أن الأمر بيده وتحت قدرته، وأنه هو الذي لو شاء لصرفه عنكم، فلا تطلبوا كشف أمثاله من غيره، لما تنزل مصائب أخرى فاعلموا أن الله على كل شيء قدير، فتوبوا إلى الله مما هو من عند أنفسكم من الذنوب وتلجئوا إلى الله القدير على كل شيء.
يقول: فلا تطلبوا كشف أمثاله من غيره، ولا تتكلوا على سواه، وكشف هذا المعنى وأوضحه كل الإيضاح بقوله:{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ}[آل عمران:١٦٦] وهو الإذن الكوني القدري لا الشرعي الديني، لأن الله عز وجل لم يأذن شرعاً أن يقتل المسلمون، فإن سفك دم امرئ مسلم عظيم عند الله عز وجل، فلا يقال: شرع الله للكفار قتل المسلمين؟! فهذا مستحيل، لكن بإذن قدري كوني قدر الله ذلك، كقوله في السحر:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[البقرة:١٠٢].
ثم أخبر عن حكمة هذا التقدير، وهي: أن يعلم المؤمنين من المنافقين علم عيان ورؤية، فيتميز فيه أحد الفريقين من الآخر تمييزاً ظاهراً، وكان من حكمة هذا التقدير: تكلم المنافقين بما في نفوسهم، فسمعه المؤمنون وسمعوا رد الله عليهم وجوابه لهم، وعرفوا مؤدى النفاق، وما يؤول إليه، وكيف يحرم صاحبه سعادة الدنيا والآخرة، فيعود عليه بفساد الدنيا والآخرة، فلله كم من حكمة في ضمن هذه القصة بالغة، ونعمة على المؤمنين سابغة، وكم فيها من تحذير وتخويف، وإرشاد وتنبيه، وتعريف بأسباب الخير والشر وما لهما وعاقبتهما.