فالواجب أن يسأل الإنسان عن العلماء؛ ليرشدوه إلى طريق الصواب، والأفضل أن يسأل عن الأعلم، وهذا عند الناس ربما يكون بناء على الشهرة بالعبادة أو الوعظ أو غير ذلك، فأفتاه الناس بأن أعلم أهل الأرض هذا الرجل الراهب المتعبد الذي بلغ من صيته في الزهد والعبادة ما بلغ، حتى قال الناس عنه: إنه أعلم أهل الأرض، وهذا يدل على أن كلمة أعلم أهل الأرض يخطئ فيها كثير من الناس، ولا يدرون كيف يزنون العلم والعبادة والزهد والورع ونحو ذلك.
ولذلك أفتوه أن هذا الرجل هو أعلم أهل الأرض، وإذا كان الأمر في ذلك الزمان والناس قلة ففي زماننا أولى بألا ندري من هو أعلم أهل الأرض، فالله عز وجل أعلم بعباده، وهو سبحانه وتعالى مطلع على قلوبهم وعلومهم وأعمالهم.
فدله الناس على الراهب؛ لأنهم كما ذكرنا يخلطون بين العلم والعبادة ولا يميزون بين موضع كل منهما، وفضل العالم على العابد كفضل الرسول صلى الله عليه وسلم على أدنى أصحابه، وفضل العلم أفضل من فضل العبادة كما دلت عليه هذه القصة العظيمة، قال:(فدل على الرجل الراهب فأتاه فسأله فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة؟ فقال: لا)، فهذا الرجل قتال شديد الغضب، شديد البطش، والرجل الراهب يظن أن الجرأة والشجاعة في أن يواجه هذا الرجل بأنه ليست له توبة، وهذا من قلة علمه أو من جهله؛ لأنه أولاً أفتاه فتوى باطلة، وكم من عابد أو زاهد يظن بنفسه لكلام الناس عليه أنه من أهل العلم، وهذا خطر عظيم، فليس بمجرد أن يكون الإنسان زاهداً في الدنيا، أو متعبداً، أو حتى واعظاً ومذكراً، أو أن يكون خطيباً مفوهاً، أو أن يكون داعياً إلى طريق الحق أن ذلك يقتضي أن يكون عالماً يفتي الناس.