[الإسلام دين كل الأنبياء]
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم،، أما بعد: قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ * وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} [يونس:٩٠ - ٩٣] أي: أنزلهم الله منزل صدق.
تدل الآيات أولاً: على أن دعوة موسى عليه السلام هي الإسلام، وأن المؤمنين من بني إسرائيل الذين أنجاهم الله عز وجل كانوا مسلمين، ففرعون يريد أن يقول: أنا تابع لموسى، وتابع لبني إسرائيل، فقال: ((وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) فدل ذلك على أن موسى جاء بالإسلام، وعلى أن إنجاء الله لبني إسرائيل كان عندما كانوا مسلمين، وأن ولايته لهم وكذلك ولاية المؤمنين لهم عبر التاريخ إنما كان عندما كانوا مسلمين، فأما إذا كفروا وتركوا الإسلام فهم أعداء الله وأعداء المؤمنين، وهذه قضية عظيمة الأهمية، فإن الولاية والعداوة مبناها على التزام هذا الدين، ووعد الله عز وجل بالتمكين في الأرض لبني إسرائيل ليس مرتبطاً بنسبهم، وإنما هو مرتبط بإسلامهم، فعندما كانوا مسلمين أهلك الله فرعون وجنده من أجلهم، وعندما كفروا بالله صاروا أعداء له سبحانه، أعداء لرسله، ومكن الله عز وجل منهم المسلمين بفضله سبحانه وتعالى.
فلا بد أن نفهم القضية جيداً، فليس وعد الله لبني إسرائيل في الأرض المقدسة، وفي المنزل الصدق، والمبوأ الطيب الذي أنزلهم الله إياه مرتبطاً بمجرد أنهم أبناء يعقوب عليه السلام، بل ذلك مرتبط بإسلامهم، ولذا لما كفروا سلط الله عليهم أعداءهم فأخذوا ما بأيديهم، كما قال سبحانه: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء:٧] ولما أفسدوا في الأرض بالشرك والبدع سلط الله عليهم من هو شر منهم من المشركين، فالله عز وجل يفعل ما يشاء، وهو سبحانه وتعالى بحكمته وعدله يضع الأمور في مواضعها.
والمؤمنون الآن وفي كل زمان يحبون موسى ومن معه، ويتولونهم ولو كانوا من غير نسبهم، من غير قومهم، ويتبرءون من فرعون وجنده ولو كانوا من أهل بلدهم، فنحن نبرأ إلى الله عز وجل من فرعون ولو كان مصرياً، ونتولى موسى عليه السلام ومن معه من المسلمين ولو كانوا من بني إسرائيل، وحين يؤمن أهل مصر فإننا نتولاهم ونحبهم، وحين يكفر بنو إسرائيل فإننا نبغضهم ونعاديهم، وذلك لأنه ليس بين الله وبين الناس نسب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
فالحب في الله والبغض فيه أوثق عرى الإيمان، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، فليس عداؤنا لليهود لأجل الأرض أو الوطن أو القومية أو غير ذلك، وإنما لأنهم كفروا بالله وتركوا الإسلام.
وكذلك عداؤنا لفرعون وإن كان ينتسب إلى بلدنا؛ فنحن نعاديه ونبغضه ونكرهه ونحمد الله على هلاكه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
قال عز وجل: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:٩١] أي: آلآن تؤمن، وقد أفسدت في الأرض أعظم الإفساد بالصد عن سبيل الله، وادعاء الربوبية والألوهية، ودعوة الناس إلى عبادتك، إبعادك إياهم عن توحيد الله عز وجل، فلا يقبل الإيمان في تلك اللحظة، فقد غرغر فرعون، وأدركه الغرق، ونزل به العذاب هو وقومه، ومع ذلك فقد جعل الله بدنه آية، فقال عز وجل: ((فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ)) أي: لم ينج هو، وإنما نجا بدنه، وذلك أن بني إسرائيل ما كانوا يتصورون فرعون جثة هامدة، فما تخيلوه إلا آمراً ناهياً متسلطاً باغياً قتالاً سفاكاً للدماء، فشكوا في موته، فأمر الله البحر أن يخرج جثته، وتلقى ظاهرة أمام أعينهم حتى رأوا فرعون -الذي كان يأمر وينهى، ويغضب ويسخط ويرضى، ويعطي ويمنع في ظن الناس- جثة هامدة؛ ليكون لمن خلفه آية، لمن شهدوه ولمن يأتي بعده، وذلك دليل على بقاء جثته ليراها ويتعظ بها من بعده من الأقوام، فسبحان الله! ولا يهمنا أي فرعون كان هو، أعني: ما اسمه؟ وأي واحد هو من هذه الجيف الموجودة المحفوظة؟ فكلهم كانوا على الشرك والكفر، إلا من لا نعلم ممن رحمهم الله، لكنهم كانوا على الكفر والشرك، وعبادة غير الله كما سجلوا ذلك في معابدهم ومقابرهم، وكلهم آيات من آيات الله عز وجل، كلهم كانوا يأمرون وينهون، وكان لهم من الملك والسلطان ما لهم، فماذا يفعل بهم الآن؟ يطاف بهم في البلاد، آية من آيات الله، دالة على عجز الإنسان وضعفه، وعلى أن الله هو الذي يقلب الأمور، وهو سبحانه وتعالى مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، فقد أتى بعد فرعون فراعنة كثيرون، فأهلكهم الله كلهم كهلاكه.
ثم قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس:٩٢] وكل واحد منهم آية من آيات الله، والملك لا يبقى لأحد، والسلطان لا يستمر لإنسان، وإنما هي أدوار وحلقات يأخذ كل جيل دوره على ظهر الأرض، إما في طاعة وإما في معصية، إما في دعوة إلى الخير، وإما في صد عن سبيل الله، فمن من الله عز وجل عليه بأن ثبته على الهدى، واستقام على الصراط المستقيم، وهدى قلبه إليه، وأخذ بناصيته إليه، فليحمد الله سبحانه وتعالى، فما هي إلا لحظات وينتهي هذا الذي نصب على وجه الأرض لهذا الجيل من أنواع الحياة والممالك والصراعات، ونرحل كما رحل السابقون، بخيرهم وشرهم، بمؤمنهم وكافرهم، ويأتي دور جديدٌ كما أخبر الله سبحانه وتعالى بقوله: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم:١٩ - ٢٠].
فهكذا يأخذ كل إنسان دوره على ظهر الأرض، ثم يرحل إلى بطنها، فهي التي تجمعنا أحياء وأمواتاً قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:٢٥ - ٢٦] فهي جامعة للبشر في حياتهم وموتهم، فهل من متعظ؟ فهذه قصة عظيمة، وآية من آيات الله كبيرة عظيمة توقظ النفوس، وتحيي القلوب، وتذكر بأمر الآخرة.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة عليه يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى إلينا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، لك مطواعين، لك رهابين، لك مخبتين، إليك أواهين منيبين، تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، وأجب دعوتنا، واهدِ قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخائم صدورنا.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.