للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يقرأ من القرآن على النصراني، وبيان انحراف أهل الكتاب وضلالهم]

السؤال

إذا طلب مني بعض النصارى أن أقرأ عليه بعضاً من القرآن فمن أي القرآن أقرأ؟

الجواب

اقرأ عليه سورة مريم، كما فعل جعفر رضي الله عنه مع النجاشي، واقرأ سورة آل عمران.

وإنَّ أبرز الحجج في عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:١٥٨].

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا أدخله الله النار).

فعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مأخوذ من تصديقه صلى الله عليه وسلم، وتصديقه مبني على معرفة المعجزات التي أعظمها القرآن العظيم، ووجوه الإعجاز المختلفة في القرآن الكريم مذكورة في كتب التفسير، وفي مقدمة تفسير القرطبي شيء صالح من ذلك، وكثير من كتب علوم القرآن موجود فيها وجوه الإعجاز أيضاً.

وأما المعجزات الحسية فأحيلك على كتاب (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) لشيخ الإسلام ابن تيمية ففيه معجزات بالأسانيد الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي تبلغ مئات المعجزات الحسية، والتي ينقلون عن الأنبياء السابقين أقل من عشرها بلا أسانيد ومع ذلك يقبلونها، فمن كذب محمداً صلى الله عليه وسلم فقد كذب كل الأنبياء، لزاماً، فمن الواجب علينا أن نبين لهم فساد الاعتقاد بتعدد الآلهة والتثليث، وأن المسيح إله يعبد من دون الله أو مع الله أو هو الله، وبيان كفر من قال ذلك مما لا يحتمل تأويلاً، فهؤلاء يخدعون الناس مستدلين بآيات من القرآن لبيان عقائدهم الباطلة، فإذا كان القرآن حقاً فلابد من أن يقبلوه كله؛ والكثير من الشبهات الآن تلقى في قنوات تبشيرية، ولا أدري لماذا يستمع الناس لها؟! ويحاولون فيها أن يأتوا بآيات من القرآن لإثبات ما هم عليه، فإذا كان القرآن حقاً فقد قال الله فيه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:١٧]، وهذه لا يستطيعون لها تحريفاً ولا تأويلاً على الإطلاق، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:٧٣] وهذه كلها نصوص قطعية، فإن كانوا يصدقون بالقرآن فالقرآن حجة عليهم، والواقع أنهم لا يصدقون بالقرآن ولا بالنبي عليه الصلاة والسلام.

وأما قوله عز وجل: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ} [المائدة:٤٧] فهم يحتجون به على بقاء الإنجيل، ونحن نقول: قد أنزل الله عز وجل في الإنجيل ذكر بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن المسيح بشر مثلهم، فليحكموا بهذا، وليس في هذا إلغاء بالكلية، وإنما هناك عقائد واحدة قالها المسيح عليه السلام كما قالها من قبله الرسل، وجاء بها كل الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، فيجب عليهم أن يحكموا بذلك.

وهناك شرائع متفق عليها كذلك، مثل: تحريم الزنا، وإقامة الحدود، أعني القطع -مثلاً- في السرقة، والرجم في الزنا، فهذا مما اتفقت عليه كلمة الكتب الثلاثة، واتفقت عليه الشرائع الثلاث: شريعة موسى، وشريعة عيسى، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم لا يطبقون شيئاً من ذلك، فقد نزل القرآن في هذا خصوصاً فيما لم يتغير ولم ينسخ، وليس المعنى أن هذا ينفي النسخ، فإننا نعمل بالقرآن ونعرف أن فيه ناسخاً ومنسوخاً، فما وجه الاعتراض؟ فقد أنزل الله المنسوخ لمدة من الزمن وهو عز وجل يعلم أنه سيغيره لمصلحة الناس، وأما ما لم ينسخ فيجب العمل به، فمن ترك العمل بالمنسوخ من القرآن فهل يقال عنه: ترك العمل بالقرآن؟ لا، فكذلك إذا ترك المنسوخ من الإنجيل لو ثبت، وهذا الكلام هو في حق الإنجيل الذي جاء به المسيح، لا الأناجيل التي كتبها الحواريون وأتباعهم على صيغة المسيح، فنحن نعتقد أن الإنجيل كتاب أنزله الله على عيسى صلى الله عليه وسلم، والنصارى يعتقدون أن الإنجيل الذي بين أيديهم هو صيغة المسيح التي كتبها الحواريون وتلامذتهم وليس هناك كتاب أنزله الله على المسيح.

فنقول: الإنجيل الذي أنزله الله على المسيح صلى الله عليه وسلم يحكم به -كما ذكرنا- في العقائد الواجب اتباعها، وفي الأحكام المتفق عليها بين الشرائع والأخلاق الواجب اتباعها كذلك، وترك الأخلاق المحرمة، كل هذا مما اتفقت عليه كل الشرائع، فليحكموا بذلك، وأعظم ذلك وأهمه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وتوحيد الله عز وجل قبل ذلك، فليس لأحد من النصارى ولا اليهود أن يحتج بشيء من القرآن؛ لأنهم لا يصدقون القرآن، ولا يصدقون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه فليس لهم أن يحتجوا بالقرآن، ولا أن يقولوا: إن الله قد أخبر بذلك؛ لأن الله هو -سبحانه وتعالى- الذي أمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كان اعتقادكم في القرآن أنه حق فاقبلوا كل القرآن، وأما إذا لم يكن ذلك فلا تضربوا بعض القرآن ببعض، ولا يجوز لكم أن تأخذوا بعضاً وتتركوا بعضاً، إنما هذا حال الكفار -والعياذ بالله- وهم كذلك، فيجب أن لا يقبل منهم احتجاج بالآيات؛ لأنهم غير مصدقين بها، وهذه الآيات يفسرونها على غير وجهها {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:٧]، وأهل العلم يردون المتشابه إلى المحكم، فيتفق الكتاب كله، ومثال ذلك قوله تعالى في سورة النساء: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [النساء:١٦٢] فيقول صاحب الشبهة: كيف جاءت ((وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ))؟ وهذه من شبهات المنصرين، وهذه الجملة من الآية منصوبة على الاختصاص، أي: وأخص المقيمين الصلاة، ولها وجوه أخرى في الإعراب من أراد أن يرجع إليها فليرجع إلى تفسير القرطبي وتفسير أبي السعود، لكن أظهرها ما ذكرنا، وهو تخصيص المقيمين الصلاة، وذلك لأهمية الصلاة.