[تحمل الصحابة الجوع والخوف وصور جوعهم]
قال عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٥]، إن ذكر الخوف ينبئنا بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من شعور ضروري يلازمهم باستمرار الحياة المعتادة، وتحملهم لهذا الشعور في سبيل الله من أعظم ما يثيب الله سبحانه وتعالى عليه.
أكثر الناس من أجل الشعور بالأمان مستعد لأن يضحي بالتزامه وبطاعته لله، وبعمله من أجل الإسلام، بل ربما يضحي بعمله بالإسلام لكي يكون آمناً مطمئناً مع أن هناك خوف أشد، فالمؤمن إنما يسعى للأمان الحقيقي يوم الفزع الأكبر، والله عز وجل ذكر وقوف المؤمنين المطمئن فقال: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:٢٧ - ٢٨]، وقال عز وجل: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:٨٩]، وهذه كلها مشاق، تحملها المهاجرون رضي الله عنهم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد).
ويرخج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر من بيوتهم من الجوع، فيجدهم أبا الهيثم بن التيهان الأنصاري رضي الله عنه؛ لكي يأكلوا عنده وليس عندهم شيء.
النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه رجل فيقول: إني مجهود، أي: أصابني الجهد من شدة الفقر والحاجة، فيرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيوت نسائه واحدة واحدة، وتسع نسوة للنبي عليه الصلاة والسلام كل واحدة منهن تقول: والله ما عندي إلا ماء -ليس في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ماء- فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يضيف هذه الليلة يرحمه الله، فيقول رجل من الأنصار: أنا، رضي الله تعالى عنه، ويذكر أن هذا هو سبب نزول قوله سبحانه: ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ))، فانطلق هذا الرجل بهذا الضيف لامرأته وقال: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تدخريه شيئاً، قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية، رضي الله تعالى عنهما وعن أولادهما، قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم، ثم قومي فأطفئي السراج، وأشعريه أنا نأكل، ونبيت ليلتنا طاويين، ففعلت رضي الله تعالى عنها، وهذا والله من الأمر العجيب، أنها تقدم ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فقط على نفسها بل حتى على أولادها، والأب والأم يمكنهم أن يقدموا الضيف على أنفسهم، لكن أن يقدم على قوت الصبية من أجل أن يطعم المسكين الفقير المجهود الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم فهذا هو العجب، وانظر إلى ما كان عليه الحال عندهم من الشدة.
وأبو هريرة رضي الله عنه يقسم أنه يسأل عمر رضي الله عنه عن آية من كتاب الله، ما يسأله إلا لأجل أن يطعمه، ويسأل أبا بكر عن آية من كتاب الله، ما يسأله إلا لأجل أن يطعمه، ويفهمه الرسول صلى الله عليه وسلم ويأمره أن يلحق به، ويجد إناء من لبن أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي هريرة: (ادع لي أهل الصفة)، فيقول: كنت أنا أولى بهذه الشربة لكي أتقوى بها، والآن إذا دعوت أهل الصفة أمرني أن أسقيهم فكنت آخرهم شرباً فما عساني أن يدركني شيء من هذا اللبن.
لكن يبارك الله عز وجل في هذا اللبن، حتى يشرب منه سبعون من أهل الصفة، وأبو هريرة رضي الله عنه آخرهم كما توقع، لكنه شرب حتى قال للنبي عليه الصلاة والسلام: والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً رضي الله تعالى عنه، وصدق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وعند أن شرب الفضلة، ظل يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: اشرب اشرب اشرب، حتى قال: والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكاً.
انظر كيف كانت حياتهم رضي الله تعالى عنهم، وكيف كان تحملهم للفقر في سبيل الله عز وجل.
فهذا الأمر، وهو تحمل المشاق والمصاعب هل عندنا استعداد لأن نتحمل من المصاعب مثلهم؟! نسأل أنفسنا هذا السؤال، ونزن أنفسنا فيما يتعلق بهذه الصفة.