إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء ربى الأمم من بعده رغم قلة من استجاب له، ومن الذين استجابوا له لوط عليه السلام، ولوط عليه السلام هو أحد ثمار التربية الإيمانية لإبراهيم صلى الله عليهم وعلى نبينا وسلم، وذلك أن الأمم وتاريخ الحياة على وجه الأرض لا تحدده الكثرة وإنما يبينه ويحدد معالمه عبر العصور الرجال الذين هم أمم كل واحد منهم أمة، فقد كان إبراهيم أمة كما قال سبحانه وتعالى:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل:١٢٠].
والأمة الإمام الذي يقتدى به، ولذا قال ابن مسعود: إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن إن إبراهيم كان أمة، ظن حاضروه ومجالسوه أنه أخطأ -وهذا بعد موت معاذ - فكرر: إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين، فكرروا عليه فكرر، فقال: أتدرون من الأمة؟ إنه الإمام الذي يعلم الناس الخير، والقانت المطيع والحنيف لله عز وجل.
فـ معاذ رضي الله تعالى عنه كان كذلك، فالرجال الأمم هم الذين تتغير بهم وجه الحياة.
كان لوط عليه السلام رجلاً أمة، ومن أجله فقط دمر الله سبحانه وتعالى قومه الذين كذبوه، وفي قصته -وهي امتداد لقصة إبراهيم صلى الله عليه وآله وسلم- من العبر والعظات خصوصاً في هذا الزمان الذي امتلأ بالمنكرات الشبيهة بالتي كان يرتكبها قوم لوط، مما ينبغي أن ننتبه لها وأن نحذر على أنفسنا ونحذر أقوامنا من مشابهة هؤلاء القوم المجرمين، قال سبحانه وتعالى:{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}[هود:٧٧ - ٨٣].
يخبر الله عز وجل عن الفرج الذي جاء للوط عليه السلام بعد المحنة الطويلة والغربة الشديدة التي عاناها من قومه حيث دعاهم إلى الله سبحانه وتعالى، فما نال منهم إلا الأذى والتكذيب والاستهزاء والسخرية والأمر بإخراجه هو وأهله؛ لأنهم أناس يتطهرون.