فرح اليهود بهزيمة المسلمين في أحد من أجل أن يظهروا على المسلمين، ولقد يسر الله عز وجل إهلاك كبارهم وتدمير قبائلهم في الغزوات الثلاث التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم، فقد غزا بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة جزاء على خيانتهم، وما أكثر الآيات في ذم أهل الكتاب، وفي بيان فساد اعتقادهم في حق الله سبحانه وتعالى، مثل أنهم يقولون: إن الله فقير وهم أغنياء عياذاً بالله، وهذه عادتهم في السب والانتقاص من الله سبحانه وتعالى، ووصفه بصفات العجز، ولا تزال كتبهم المحرفة مليئة بهذه الأوصاف لرب العزة، من العجز، والمرض، والحزن والبكاء، وزاد النصارى الأمر فساداً وضلالاً فاعتقدوا فيه الموت، والألم والعجز والصراخ، وأن يتمكن الأعداء منه أعظم تمكن، فهذه سيرة هؤلاء ونسأل الله العافية، والحمد لله الذي عافانا من هذا البلاء! وأناس كثيرون يعتقدون في الله عز وجل صفات النقص، ويزعمون بعد ذلك أنهم يحبونه ويعبدونه، وهم يصفونه بأفظع الأوصاف، والحمد لله الذي أحق الحق وأبطل الباطل.
وقد بين سبحانه وتعالى كيف كان تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن المؤمنين سيسمعون منهم ومن المشركين أذىً كثيراً، ثم بين حقيقتهم في كونهم لم يوفوا بما أخذ عليهم من العهد في تبيين الكتاب للناس، بل كتموه، ونبذوه وراء ظهورهم، فليسوا في الحقيقة مؤمنين بالكتب التي بين أيديهم، وإن عوملوا أنهم أهل كتاب، فهم يشترون الثمن القليل في الدنيا ببيعهم دينهم وكتابهم وعهد الله لهم، وهم يفرحون بما أتوا من الكفر، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فأخبر الله بعذابهم ثم ختم الله السورة بالحث على التفكر في خلق السماوات والأرض، وهي آيات الله المشهودة التي تدل عليها آياته المسموعة أحسن دلالة، وتحيي القلب المؤمن بما ينزل الله عز وجل عليه من فضله، حين يشاهد آياته سبحانه، ويدعوه عز وجل بالتوحيد والإخلاص، ويتذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، إلى آخر المعافي في الآيات العشر من خاتمة سورة آل عمران، والتي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها حين يستيقظ من الليل ناظراً إلى السماء وهذه الآيات هي دعاء المؤمنين الذي علمهم الله عز وجل إياه في قوله:{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[آل عمران:١٩١ - ١٩٤].
وقد بين عز وجل استجابته لعباده المؤمنين، وأن منهم من تحمل الأذى في سبيل الله من الهجرة والإخراج من الديار، والجهاد في سبيل الله والقتال والقتل، وكل ذلك لن يضيعه الله عز وجل.
ثم حذر سبحانه وتعالى الإنسان من أن يغتر بما عليه الكفرة وتقلبهم في البلاد، بل مأواهم جهنم وبئس المهاد، وبين عز وجل إيمان طائفة من أهل الكتاب، وأن طائفة منهم مؤمنة بالحق الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، وهم مؤمنو أهل الكتاب، ولا يوجد مؤمن إلا من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كما آمن بما أنزل من قبل، ثم ختم السورة بالأمر بالصبر والمصابرة والمرابطة فقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران:٢٠٠].
هذا غاية ما أردنا ذكره من تفسير سورة آل عمران فيما يتعلق بغزوة أحد؛ للاستفادة من الدروس التربوية الإيمانية التي تتضمنها هذه الآيات، ولنعلم كيف ربي المجتمع المسلم والطائفة المؤمنة، من خلال الوقائع التي حدثت لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة أعدائهم.
نسأل الله عز وجل أن يقضي حاجات المحتاجين، وأن يفرج كرب المكروبين، وأن يفك أسرى المأسورين، وأن يرفع الظلم عن المظلومين، وأن ينصر عباده المؤمنين، وأن يهدينا أجمعين.