[أنواع الذنوب والمعاصي التي تقع فيها الأمة اليوم]
عباد الله! إن أمة الإسلام تمر بظروف في غاية الصعوبة، قد اجتمع عليها من بأقطار الأرض، وتكالبوا على محاولة نزع التوحيد منها، وبعدها عن هذا الدين، فلا يريدون إلا بقاء اسمه، بل لو استطاعوا أن يزيلوا اسمه لفعلوا، ولكن كما قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [المائدة:٣].
فهذا الدين قد يئس الكفار من إزالته، ولكن لم ييئسوا من تحريفه وتبديله وتغييره في نفوس أتباعه؛ لذلك نجد هذه الحرب في كل مكان.
وهذه الأمور التي تقع في أهل الإسلام من تسلط الأعداء عليهم، ومن سفك دمائهم، وانتهاك حرماتهم، واحتلال بلادهم، هو ثمرة تقصير طويل المدى لا يعالج إلا بإزالته، فلن يتغير حال أمة الإسلام إلا إذا تغير أبناؤها، فإن الله حكم عدل، ومما حكم به قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].
فلا بد من تغيير حقيقي جذري في كل واحد منا، لا بد أن يراجع كل منا نفسه مراجعة صادقة، ولا نلقي على عاتق غيرنا مسئولية تدهور حال أمة الإسلام.
قل لنفسك: أنت بتقصيرك بذنبك بمخالفتك لشرع الله، سبب من أسباب تخلف هذه الأمة، ونزول البلاء بها، فإن مجموع التقصير قد وصل إلى الحال التي رأينا.
إن أهم الواجبات التي افترضها الله عز وجل على عباده الإسلام: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)، فهذه أصول الإسلام وأركانه، وتتمة ذلك التزام الحلال واجتناب الحرام في كل المعاملات، فلا بد أن يبحث الإنسان عما شرع الله عز وجل، فلننظر إلى التقصير في باب الإسلام فنتداركه، ولننظر إلى شهادة التوحيد كم تتعرض لما يناقضها من أصلها، أو يناقض كمالها الواجب فضلاً عن كمالها المستحب فنحذر منه.
إن الله سبحانه وتعالى جعل الشرك أعظم المحرمات، قال عز وجل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٥ - ٦٦]، وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].
فقضية التوحيد هي أعظم قضية على الإطلاق، فهي وصية الأنبياء، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].
فانظر -عبد الله- إلى الشرك المنتشر في أرجاء الأمة فيما يتعلق بصرف العبادة لغير الله وارث الحال أمتك، إن الشرك يقع فيه كثير من الناس باعتقاد الضر والنفع في غير الله، وبناءً على ذلك أنداداً لله ويطلبون منهم المدد، ويذبحون وينذرون لهم، ويطوفون حول قبورهم والعياذ بالله، وتصرف لهم أنواع العبادات الأخرى من الخوف والرجاء والتقرب إليهم، والحلف بهم وتعظيم قبورهم، بالسفر إليها ونحوه، وهذا من أعظم مظاهر الخطر على الأمة.
وللأسف نجد من يحاول إحياء هذه الأمور التي قد ماتت عند الكثيرين، فيحاول أن يحيي تعظيم الأموات والصالحين المبالغ فيه، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله).
وهو عليه الصلاة والسلام الذي أنزل الله عز وجل عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:١٢٨] فالأمر كله لله، إليه يرجع الأمر كله، فلا يملك نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا ولي صالح مع الله عز وجل شيئاً.
وانظروا كذلك إلى الشرك الذي يقع فيه كثير من الناس بإبائهم شرع الله عز وجل، وردهم أوامره سبحانه وتعالى، ولقد قال عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، وقال سبحانه وتعالى عن اليهود والنصارى محذراً المسلمين من سبيلهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١]، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله عدي بن حاتم بقوله: (إنا لسنا نعبدهم -قال ذلك قبل أن يسلم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يحرموا الحلال ويحللوا الحرام فاتبعتموهم؟ قال: بلى.
قال: فتلك عبادتهم).
فالله عز وجل وحده هو الذي يشرع لخلقه ما شاء: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٤٠].
وقال عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:٣٦].
وهذه المسألة ليست فقط عند التخاصم والاختلاف بين البشر، وعند وجود الجرائم والمخالفات، وإنما في كل حالة من حالات الإنسان، ففي كل أحواله وأوقاته لا بد أن يعود إلى شرع الله، وأن يطبق شرعه سبحانه وتعالى، قابلاً له، راضياً به، وإلا فإن الإباء والرد لشرع الله والاستكبار عنه من خصال إبليس التي صار بها من الكافرين قال تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٣٤] فلم يكن تركاً مجرداً، وإنما كان إباءً ورداً نعوذ بالله من ذلك! وما أكثر من يوجد عندهم الرد لشرع الله بعد إقامة الحجة عليهم مما يقعون فيه من مخالفة لا إله إلا الله، فكثير من الناس يعتقد صلاحية أي ملة غير ملة الإسلام، ويصدق أن عبادة غير الله كعبادة الله، وكلها في نظره سواء مقبولة، وقد قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥].
وما أكثر التفريط في أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله)، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:٥١ - ٥٢].