للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شهود الحكمة في أفعال الله وحمده تعالى عليها]

وسنتكلم في هذا الأمر ونبين أموراً وفوائد عجيبة، ومن جملة هذه الأمور أن نوقن بأن الله سبحانه وتعالى هو العليم الحكيم، فالله عز وجل ما قدر هذه الآلام إلا لحكم وغايات محمودة، فهو العزيز الحميد سبحانه وتعالى، ألم تسمع قول الله عز وجل: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:٨]؟ فهو سبحانه وتعالى العزيز رغم أن أولياءه قد قتلوا، وهو سبحانه وتعالى الذي قدر ذلك عليهم، وهو مستحق للحمد على ذلك، فله الحمد على كل حال، والحكم من تقدير البلايا والمحن تقتضي منا أن نسعى في تحصيلها؛ لأننا إذا حصلنا الحكم زالت عنا البلايا والمحن.

إن الله عز وجل ما قدر هذه الآلام على المسلمين إلا للخير الذي يريده ويحبه لهم سبحانه وتعالى، وهكذا سنته عز وجل في كل ما يقدر من الأمور المكروهة التي لا يحبها ولا يرضاها، فالله عز وجل لا يحب الظالمين، ولا يحب الفساد، ويكره مساءة المؤمن، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته)، فالله يكره مساءة المؤمنين، ومع ذلك قدر عليهم ما يكرهون ليجعل في ذلك خيراً كثيراً، كما قال تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:١٩]، وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١٦]، فنحمد الله أولاً رغم الآلام، بل نحمده على الآلام سبحانه وتعالى، فله الحمد على كل حال، وهو سبحانه وتعالى الحميد الذي له الحمد في الأولى والآخرة، وشهودنا لهذه الحكم شهود لاسمه الحكيم سبحانه وتعالى، ولاسمه العليم عز وجل.