قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:(ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، وأول ربا أضعه ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله).
كان العباس من أكثر الناس رباً في الجاهلية فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أبطلة.
والتوبة إلى الله عز وجل من هذا الذنب تكون: أولاً: بالامتناع من المعاملة، فلا تضع مالك مع من يتعامل بالربا، وتجعله وسيلة للتعامل بالربا، ولا تقبل أنت التعامل بالربا في حال من الأحوال، بل تتعامل فيه بما أحل الله سبحانه وتعالى من المضاربة والتجارة الحلال بالبيع والشراء.
الأمر الثاني: أن يرد الحقوق إلى أهلها، بمعنى أن الفوائد التي أخذها والزيادة التي أخذها على أصل المال لابد أن يردها إلى أصحابها إذا علمهم، وإن لم يعلمهم تصدق بها عنهم كوكالة عنهم، لا أنه يريد الثواب بذلك، بل تخلصاً من الحرام، فإذا تصدق بها عنهم يرجى له أن يكون قد تاب إلى الله سبحانه وتعالى، فهذا هو العمل في مال الربا، أنه يأخذ رأس ماله ويترك ما زاد، قال عز وجل:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ}[البقرة:٢٧٩].
ومن ورث مالاً فيه شيء من الربا فليعلم أنه لم يكن مال مورثه فضلاً أن يكون ماله؛ لذلك لا يصح ميراثه منه؛ لأن المال الموروث لابد أن يكون مملوكاً للمورث الذي مات، فإذا كان رباً لم يكن مملوكاً له، لأن عقد الربا عقد باطل، كما أنه عقد محرم، ولا ينتقل به الملك، ولذلك لا يثبت ملك على تلك الزيادة.
فإذا كان كذلك لم يصح ميراثه، فمن ملك شيئاً من ذلك وجب أن يرده إلى أهله كذلك، فإن لم يعلمهم تصدق به عنهم.
وكذلك من وضع ماله وهو صغير في البنوك الربوية، وزاد ماله أضعافاً مضاعفة بسبب هذه المعاملات الربوية، فإذا تمكن من ماله وجب عليه أن يخرج الزيادات الربوية، ولا ينفقها على مصلحة نفسه إلا أن يكون محتاجاً فقيراً يأخذ كما يأخذ فقراء المسلمين، وأما أن ينتفع بها في نفسه فلا يجوز، حتى ولو كان لا إثم عليه لأنه ليس الذي أمر بوضع المال في هذه المعاملات الربوية، ولكن بمجرد تمكنه من إيقافها، وإخراج المال من هذه المعاملة واجب عليه، ولم يثبت له ملك على الزيادة؛ لأن عقد الربا عقد محرم، وعقد باطل، ولا ينتقل به الملك.
ومن هنا نقول: إن انتشار الربا في الأمة من أعظم أسباب خسارتها، ومن أعظم أسباب ضياعها، ومن أعظم أسباب هزيمتها على أيدي أعدائها، لذلك كان هذا التوافق في السياق بين النهي عن أسباب الهزيمة أولاً وآخراً في غزوة أحد، والنهي عن أكل الربا أضعافاً مضاعفة والأمر بتقوى الله سبحانه وتعالى.