للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعظم أسباب الثبات]

قال عز وجل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ} [آل عمران:٢٦].

هذا الأمر إذا استحضره أهل الإيمان كان ذلك من أعظم أسباب ثباتهم على دينهم رغم ما يرون من القوة المادية لأعداء الله التي تكاد في الظاهر تملأ السهل والوادي، بل الآن -فيما يبدو للناس- تملأ الأرض والسماء القريبة من الأرض، ومع ذلك فالله مالك الملك، وهو سبحانه يؤتي الملك من يشاء، فقد كان هؤلاء قبل سنوات معدودة لا وزن لهم، وكانوا مشردين في العالم، وكان من يوالونهم من النصارى كذلك لا قيمة لهم، بل كان مجتمعهم يتصارع ويتقاتل ولم يكن لهم من القوة ما لهم، كانت القوة عند غيرهم فنزع الله عز وجل منهم تلك القوة والملك وأعطاهما هؤلاء امتحاناً لعباده.

فالله سبحانه وتعالى يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير سبحانه وتعالى، فالأمر كله بيده سبحانه، يخلق ما يشاء، وأفعاله كلها خير، فلا يرجى الخير إلا منه، وهو عز وجل يخلق الخير والشر، وخلقه للشر وجعله الكفار يفسدون في الأرض ذلك -والله- من الخير، من حيث لا يدري الناس إلا النزر فالله عز وجل قد يملك بعض الناس ملكاً يعزه به في ظاهر الأمر وقد يذله في باطنه، لأن العزة الحقيقية هي في طاعة الله، والذل الحقيقي في طاعة الشيطان، وإن بان للناس غير ذلك، أي: يخيل إلى بعضهم أن العز هو أن يكون الإنسان مطاعاً في الناس، أو أن يكون له من الجنود والأتباع والقوة التي يقتل بها ويسفك الدماء ويفسد في الأرض ما له، مع أن الله عز وجل قد جعل الإهانة فيمن لم يسجد له، كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:١٨].

فالذي أهانه الله هو من أبى أن يسجد، وهو جعله الله عبداً لعدوه، وهو عبداً للشيطان، وهو الذي يفعل الكفر والفواحش ويفسد في الأرض، وهل يختلف اثنان في أن اليهود والنصارى في زماننا يفسدون في الأرض أعظم الفساد، وأنهم ينشرون الفواحش في الأرض، ويريدون أسوأ مما كان يفعل قوم لوط، حتى شرعوا زواج الأمثال والعياذ بالله، ورضوا بذلك، ويريدون أن يفرضوه على العالم، أبهذا أمر المسيح عليه السلام؟! أبهذا أمر موسى صلى الله عليه وسلم؟! أبهذا نزلت التوراة والإنجيل؟! فهذه الفواحش المنتشرة والغل والفساد الذي يجري في العالم كله هو من ورائهم وبلائهم، ألا يدل ذلك كله على ذلهم؟! وأن الله أهانهم أعظم إهانة؟! وذلك لأن العز الحقيقي هو عند الله عز جل وبيده، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:٨]، وقال عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:١٠]، وسائر الأمم غير المسلمين كذلك في ضلال وهوان أشد؛ لأنهم أبوا أن يوحدوا الله، فمن أعزه الله ظاهراً وأذله باطناً فذلك امتحان من الله لعباده، وذلك نافذ بمشيئته، ويجعل الله فيه خيراً كثيراً من أنواع العبودية من أهل الإيمان والإسلام، الذين يصدقون في عبادتهم لربهم عندما يحيط بهم الأعداء، وعندما تشتد عليهم الأمور، وعند ذلك يزدادون طاعة وعبودية، فالله يحب أن يرى ذلك، وهذا من الخير الذي بيده سبحانه وتعالى.

يقول الله سبحانه: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران:٢٦]-ظاهراً وباطناً- {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:٢٦].