سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال: فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك، فيلقى أحدكم ربه فيقول: يا فلان! ألم أزوجك؟ ألم أسودك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع؟).
(وأذرك) أي: أتركك تصبح رئيساً في قومك، وتأخذ المرباع، كما كانوا في الجاهلية يأخذ زعيم القبيلة ربع الغنيمة ويسمى المرباع، فهو قد ربعهم أي: أخذ ربع غنيمتهم في الحروب، وكما يفعل كل من ترأس في الناس فإنه يأخذ من أموال الناس عامة ما يخص به نفسه، إلا ما رحمهم الله عز وجل من أهل الإسلام القائمين بالقسط والعدل.
يقول:(يا فلان! ألم أزوجك؟ ألم أسودك؟ -أي: جعلتك سيداً- ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ قال: بلى قال: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: اليوم أنساك كما نسيتني) نعوذ بالله!.
(ويلقى أحدكم ربه فيقول له مثل ذلك فيقول: يا رب! صمت، وصليت، وتصدقت! ويثني بخير ما استطاع فيقول: اليوم نبعث عليك شاهدنا فيتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد علي؟ فيختم الله على فيه -أي: على فمه- ويقال لأركانه: انطقي، فتتكلم أركانه بما كان يعمل ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول: بعداً لكن وسحقاً! فعنكن كنت أناضل).
أجزاؤه هي التي تتكلم فيشهد فخذه، وتتكلم جوارحه، كما قال تعالى {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس:٦٥].
فالله سبحانه وتعالى سوف ينادي كل واحد من الناس فيما بينه وبينه، ويقرره على ما فعل، والكفار والعياذ بالله يقرون، ويعترفون بذنوبهم، ويؤخذون إلى العذاب عياذاً بالله! وكذا المنافق كما جاء في هذا الحديث أنه يثني بخير على نفسه ما استطاع، ويقول: صليتُ! صمتُ! تصدقتُ! فإذا نطقت أركانه وجوارحه بما كان يعمل، ثم خُلي بينه وبين الكلام يقول: بعداً لكن أي: جوارحه؛ يدعو على نفسه وأجزائه التي شهدت عليه، فهي شاهده الذي يبعثه الله عز وجل عليه من نفسه، فهذا عدله سبحانه وتعالى، فهذا هو المنافق الذي يغضب الله عز وجل عليه، وذلك الذي يعذر من نفسه.