علمنا مفتاح تغير الموازين والقوى، لكن كيف ستتغير موازين القوى وخرائط الواقع؟ وكيف سينتهي هذا الصراع ونحن حلقة من حلقاته؟ ولكي تعرف الجواب ارجع إلى ما بدأنا حديثنا به من أن أعمارنا صغيرة جداً، ولكننا كجزء من حلقات هذا الصراع لا نقيس هذا الصراع بأعمارنا نحن، فنحن صغار دائماً، وعمرنا صغير دائماً، ولكن وسع أفقك قليلاً؛ لتعرف أن أعمار الأمم كما ذكرت أوسع من أعمار البشر، وهذا كله بالنسبة إلى الأجل والأبد شيء يسير جداً، والله هو الذي يقدر مقادير الأمور كلها.
فأمر التكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولرسل الله جميعاً له عاقبة معينة، وانظر في تاريخ الأمم لتعرفها، فهذه آثار عاد في حضرموت في جنوب جزيرة العرب تنبئك عن أثر تكذيب عاد لنبيهم هود، وهذه ديار ثمود في شمال جزيرة العرب تنبئك عن أثر تكذيب ثمود لصالح، وهذه آثار قوم لوط في الأردن تنبئك عن الدمار الذي حل بهم لما كذبوا لوطاً، وهذه آثار الفراعنة تؤكد أنهم كانوا أمة قد ضربت بأوتادها في الأرض قوة وتمكناً، وسلطاناً، وعتواً، وملكاً ظاهراً تام السيطرة عليها وعلى من حولها من الأمم، ثم ترى كل ذلك قد زال، أمم سادت ثم بادت، وزلت وهانت، وأبيدت بالكلية بعد أن تسلط عليها أعداؤها مدة.
وتأمل تاريخ بني إسرائيل؛ لتعرف سنة الله فيهم وفي أمثالهم عندما يؤمنون ويكفرون، ولتعرف نهاية حلقتنا من الصراع، فإنها سنن ماضية لا تتغير ولا تتبدل، وإن كانت الموازين بأعين الناس الذين لا يبصرون إلا الأمور المادية التي بأيديهم، ولا يرفعون أبصارهم وأفئدتهم إلى ما هو أوسع من تحت أرجلهم من أرض وسماء، ولا ينظرون إلى ما قبلهم وبعدهم من الزمان، فهذه النظرة التي ينظرون بها تؤدي بهم إلى الجزم بأن الموازين في صالح أعداء الإسلام، وأن الأمر بأيدي الكفار، فلابد من السمع والطاعة لهم، الدوران في فلكهم، ونسأل الله العافية.
وهذا كله من أعظم الخطر علينا، فلابد أن نستوعب دروس التاريخ، ونعلم ما قال ربنا سبحانه وتعالى:{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ}[آل عمران:١٣٧]، فإما أن تسير بأقدامك لترى بعينك، وإما أن تكتفي بإخبار الله سبحانه وتعالى وسير السائرين الآخرين الذين نقلوا لك، وأنت لابد سائر، ولكن لابد أن تتأمل آثار من قبلك في سيرك، فما من موطن إلا وترى فيه قبور السابقين، وترى مصارع الناس، وترى آثار الأمم السابقة، إذ لا يوجد بلد خال من ذلك فضلاً عما يتناقله الناس، وقبل ذلك كله ما أخبر الله عز وجل به عن الأمم قبلنا، وحقيقة الصراع الذي دار بين الرسل وبين أعدائهم.