للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عفو الله عز وجل عما حصل من المسلمين يوم أحد]

((وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ)) أي: غفر لكم ذلك الصنيع، وذلك -والله أعلم- لكثرة عدد العدو وعددهم وقلة عدد المسلمين وعددهم، فإن عفو الله عز وجل لا يكون إلا بتوبة أهل الإيمان، وبما يعلم سبحانه وتعالى في قلوبهم من حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما وقع منهم من الفرار لم يكن رغبة عن الدين، ولكن عن ذهول حصل لهم من هجوم العدو فجأة.

فالذي سبب العفو عنهم ما علم الله في قلوبهم من الإيمان، والله يغفر للمؤمنين ما لا يغفر لغيرهم.

قال ابن جريج في قوله: ((وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ)) قال: لن يستأصلكم.

يعني: أن العقوبة نزلت ولم يقع معها استئصال، وهل كان بينهم وبين أن يدخلوا المدينة شيء؟ فجيش قريش كان ثلاثة آلاف قتل منهم نحو العشرة أو أكثر قليلاً بينما تفكك جيش المسلمين، لذا تعجبوا من أنفسهم فقالوا: لا محمداً قتلتم ولا الكواعب أردفتم.

أي: لم تأسروا، ولم تسبوا النساء، ولم تأخذوا الغنائم، وهذا شيء عجيب! ولكن الله عز وجل قدر ذلك عفواً منه عن المؤمنين، فلو عاملنا الله عز وجل بما نستحقه لاستأصلنا الكفرة، فما هو الذي يمنعهم أن يبيدوا المسلمين؟ وهل يوجد من سلاح يمنع إبادة المسلمين الآن؟ وهل يوجد من كيان يمكن أن يقف في وجوه الكفار فلولا عفو الله عز وجل لاستأصلونا والله! فنسأل الله أن يعافينا والمسلمين في كل مكان.

وقوله: ((وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ)) قال ابن جريج: لن يستأصلكم، وكذا قال محمد بن إسحاق، رواهما ابن جرير.