إن هذا الابتلاء وتلك الزلزلة كانت هي اللحظات التي تسبق نقطة التغير التام، ففي تلك الليلة انصرف المشركون وانصرفت قريش وانصرفت غطفان وبقي يهود بني قريظة في الخوف والرعب، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم وحاصرهم، ثم أنزلهم الله من حصونهم على أمره فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم ونساءهم وأخذ أموالهم وأرضهم.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام بعد انهزام الأحزاب (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) وقد كان الأمر كما قال عز وجل: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا}[الأحزاب:٢٥ - ٢٦] فريقاً تقتلون من الرجال المقاتلين وتأسرون فريقاً من النساء والصبيان {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا}[الأحزاب:٢٧].
فمن كان يظن أن أهل المدينة في يوم من الأيام سيدخلون حصون بني قريظة المنيعة وسيطئون هذه الأرض مالكين لها؟! فذلك بفضل الله عز وجل بسبب الغدر وبالتألب والتحزب الذي كان.
إن الله سبحانه يجعل الكفرة ينقضون العهود والمواثيق التي عاهدوا المؤمنين عليها، كل ذلك يقدره الله بالحق، ويتركهم سبحانه يؤذون المؤمنين وينتهكون حرماتهم ويسفكون دماءهم وهي عند الله عز وجل غالية وذات حرمة عظيمة، لكنه يتركهم يفعلون ذلك بعلمه وحكمته وتحت سلطانه وقدرته، وهو عز وجل الملك، وهو الشهيد على ما يفعلون؛ وذلك لكي يزدادوا إثماً ويستحقوا أنواع العقاب بقدرته عز وجل.
وما أكثر ما كان يثني النبي صلى الله عليه وسلم على الله عز وجل بهزيمته الأحزاب وحده، فكان يقول:(وهزم الأحزاب وحده)، حيث إنه لم يتحرك المؤمنون لقتال يومئذ، وعندما رجع حذيفة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إليه القر والبرد والخوف كما كان، فوضعه بين رجليه وغطاه ببرد بعض نسائه عليه الصلاة والسلام الذي كان يصلي فيه، فأخبره بخبرهم ورحيلهم.