المؤمن الذي يؤتى كتابه بيمينه -أي: قد رجحت حسناته على سيئاته- ينادى عليه من وسط صفوف البشر، فإن البشر يأتون يوم القيامة صفاً، وكلهم عارٍ كما ولدته أمه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}[الأنبياء:١٠٤] ألا إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم).
وتأمل هذا الحديث جيداً؛ لتعلم أن كل أحد يحشر عارياً، حتى الأنبياء يحشرون عراة حفاة كما ولدتهم أمهاتهم، ثم يكسى الأنبياء، وأول من يكسى إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كما في الحديث:(ألا إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم)، فلن يستثنى أحد، ولن يحشر أحد في لباس، وإنما هم قائمون في أرض المحشر شاخصة أبصارهم، ينتظرون فصل القضاء، وكلهم صامت ساكت، والملائكة قد أحاطت بهم، ثم ينادى عليهم واحداً واحداً، ويلقي الله سبحانه على المؤمن كنفه، أي: ستره، ثم يقرره بذنوبه حتى يظن أنه قد هلك.
فهذه اللحظة التي يظن فيها المؤمن أنه قد هلك هو كما هو في إطلاق الحديث: كامل الإيمان، الذي رجحت حسناته على سيئاته، بدليل أنه قد أوتي كتابه بيمينه، وأنه ينادي:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ}[الحاقة:١٩ - ٢٠] أي: أنه أيقن أنه ملاق حسابه عند الله عز وجل، فهذا حال المؤمن في تلك اللحظة، فكيف بمن كان مفرطاً؟! وكيف بمن يعذب بذنوبه؟! وكيف بمن يلقى في النارنعوذ بالله من ذلك؟!.
إن لقاء الله عز وجل حق للمؤمن والكافر، فأما الكافر فيلقاه لقاء العبد الآبق من سيده الغاضب عليه والعياذ بالله من ذلك! فيراه رؤية يعلم بها أن الله حق وأن لقاءه حق، فليست رؤية تكريم ولا تنعم، بخلاف أهل الإيمان فإنهم يلقون ربهم فيرونه وينظرون إليه، وينظر إليهم برحمته سبحانه وتعالى، فينظر إليهم نظرة يترتب عليها أنواع من الرحمات والكرامات والإنعام -حتى يدخلوا الجنات- ما لا يخطر ببال أحد، ولم تسمع به أذن، ولم تره عين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).