انتقلت المواجهة إلى مرحلة أخرى، وهي مرحلة التهديد، فقالوا لرسلهم:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}[إبراهيم:١٣]، أي: لا بد أن تقولوا مثلما نقول، ولا تخرجوا عنه قيد أنملة، لابد أن ترددوا ما نردد، ولا تقولوا غير ذلك، ولو كان ما لديكم هو من عند الله، ولو أتيتم عليه بآلاف الأدلة، ولا تتكلموا بغير ما نتكلم، ولا تدينوا بغير ما ندين؛ فالأرض أرضنا وسوف نخرجكم منها، وما علموا أن الأرض لله {يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[الأعراف:١٢٨].
فهؤلاء لا يدركون هذه الحقيقة، مع أنهم لو فكروا فيما كان عليه أجدادهم، وفيما سيكون عليه أبناؤهم من بعدهم؛ لعلموا أن الأرض لله سبحانه وتعالى يورثها من يشاء من عباده، فالأمر أمره، والأرض أرضه، والعباد عباده، والله سبحانه هو القاهر فوق عباده، وليس العباد بعضهم بقاهر فوق بعض، قال عز وجل:((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا))، فهنا تلمس في كلامهم الغرور والإعجاب بالنفس، والكبر والتسلط والبغي ((أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)).