الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: قال سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه السلام في دعوته لأبيه: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}[مريم:٤٤ - ٤٥].
فينبغي على الداعي إلى عز وجل أن يظهر الشفقة والخوف على من يدعوه إلى الله سبحانه وتعالى، وهكذا كانت الرسل دائماً يخافون على أقوامهم، ويظهرون ذلك لهم؛ لأن ذلك من أسباب إيقاظ العلاقة الحسنة التي يريد الشيطان أن لا يشعر الإنسان بها، حتى لا تستجيب الفطرة السليمة لها، وهي العلاقة الطيبة التي يستجيب بها هذا الأب لابنه ويظهر أنه مشفق عليه.
وقد قال المؤمن الذي من آل فرعون نفس هذه الكلمة، قال الله سبحانه وتعالى عنه في دعوته لقومه:{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ * وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ}[غافر:٣٠ - ٣٢].
فلا بد أيها الداعي إلى الله من أن تكون خائفاً على الناس، لا تريد أن يدخلوا النار، أو يحكم عليهم بها، أو يحكم عليهم بأنواع العقاب، وإنما عليك أن تحب لهم الخير، تريد لهم النجاة.
فتخاف وتشفق عليهم فعلاً؛ لأن الدعاة إلى الله عز وجل هم أتباع الأنبياء، فيخافون عليهم كالأنبياء.
وهذه الشفقة تحيي في قلوبهم الفطرة السليمة في اتباع من هذا شأنه، والله سبحانه وتعالى أرحم بعباده من الأم بولدها، فأنت إذا أظهرت صفات الرب سبحانه وتعالى كان ذلك من أسباب قبول الخير من هذا العبد وإظهار شفقتك على الناس له أساليب بأنواع مختلفة بحسب حال الداعي والمدعو.