[دعوة إبراهيم لقومه ومناظرته ومحاججته لهم بالآيات المشهودة]
إن عبادة أحد من دون الله هو الضلال بعينه، قال تعالى:{وَمَنْ أَضلْ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ}[الأحقاف:٥ - ٦]، والذي يظهر أن قوم إبراهيم إنما كانوا يعبدون هذه الأصنام على أنها ترمز للنجوم التي جعلوها آلهة، ولذا ناقشهم إبراهيم وجادلهم بهذه الحجج العقلية الواضحة، وقد أراه الله عز وجل الأدلة المرئية في ملكوت السماوات والأرض، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الأنعام:٧٥] وكان ذلك في أول نشأته، كما قال سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}[الأنبياء:٥١]، وكانت هذه الأقوال التي قالها إبراهيم على سبيل المناظرة لقومه، أي: فلنفترض أن هذا الكوكب رب، أو لننظر هل يصلح هذا القمر أن يكون رباً أو نحو ذلك، كما في صحيح مسلم أن إبراهيم عليه السلام في يوم القيامة يقول:(إني كذبت ثلاث كذبات: ثنتان منهما في ذات الله، وعد منهما: قوله عن الكوكب: هذا ربي).
فهذه من كذباته في ذات الله سبحانه، أي: لإقامة الحجة.
فقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الأنعام:٧٥] أي: ليرى منها كيف يحتج على الكفرة والمشركين، وكيف يحصل له اليقين بآيات الله سبحانه وتعالى التي يشاهدها، كما يؤمن بآيات الله التي يسمعها إذا أنزلها الله عز وجل عليه.
والآيات المرئية المشهودة والآيات المسموعة المنزلة كلاهما تدلان على شيء واحد: هو حقيقة ملك الله سبحانه وتعالى، وأنه المتفرد بالربوبية والألوهية وبكمال أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، وكل ذلك أمر يشهده كل ذي عقل لمن تدبر هذا الملك الواسع.