[ما يجازى به الغال في الدنيا]
ورواه ابن ماجه عن الحسن قال: (عقوبة الغال أن يخرج رحله ويحرق على ما فيه).
وعن عثمان بن عطاء عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: (الغال يجمع رحله فيحرق ويجلد دون حد مملوك -أي: دون خمسين جلدة- ويحرم نصيبه)، وهذا الحديث ضعيف في عقوبة الغال أنه يحرق رحله، فالتحريق للغال لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من قول الحسن، وقول علي أيضاً ضعيف، فلا يثبت هذا الأمر، وإن نصره بعض العلماء كـ ابن القيم رحمه الله، فالحديث ضعيف لا يعمل به، وإنما أفتى بعض التابعين بأنه يتصدق بثمنه كما سيأتي.
وأما جلد الغال فهذا للإمام، فإن رأى أن يجلده ويعاقبه بجلد أو حبس أو غير ذلك فإنه يفعل على قدر ما يرى، لكن دون الحد.
وروى ابن جرير عن ابن عمر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة مصدقاً فقال: إياك -يا سعد- أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء.
فقال: لا آخذه ولا أجيء به -يعني: لا آخذ العمل ولن آتي بشيء- قال: فأعفاه) أي: قبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
فمن وجد في نفسه ضعفاً عن القيام بالحق فلا يتعين في هذه الوظائف العامة.
وروى الإمام أحمد عن سالم بن عبد الله أنه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرض الروم، فوجد مسلمة في متاع رجل غلولاً فسأل سالم بن عبد الله فقال: حدثني أبي عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتم في متاعه غلولاً فحرقوه.
قال: وأحسبه قال: واضربوه، قال: فأخرج متاعه في السوق فوجد فيه مصحفاً فسأل سالماً فقال: بعه وتصدق بثمنه) وهذا الحديث ضعيف، أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية، وقال علي بن المديني والبخاري وغيرهما: هذا حديث منكر.
وقال الداراقطني: الصحيح أنه من فتوى سالم فقط، وقد ذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومن تابعه من أصحابه، وهو عقوبة الغال بتحريق متاعه.
وروى الأموي عن معاوية عن أبي إسحاق عن يونس بن عبيد عن الحسن قال: (عقوبة الغال أن يخرج رحله فيحرق على ما فيه).
يقول: وخالفه أي: خالف أحمد بن حنبل - أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور فقالوا: لا يحرق متاع الغال، بل يعزر تعزير مثله.
أي: يعزر بما يراه الإمام كما يعزر من أخذ مالاً بغير حق.
وقال البخاري: (وقد امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال ولم يحرق متاعه) , والله أعلم.
وهذا الصحيح في هذه المسألة؛ لأن الإحراق فيه إفساد من غير مصلحة.
وروى الإمام أحمد عن جبير بن مالك قال: أمر بالمصاحف أن تغير -والذي أمر بذلك هو عثمان بن عفان؛ لئلا يكتب مصحف إلا على الرسم الذي اتفق عليه ويمحى ما سوى ذلك، وكان المخالف في ذلك عبد الله بن مسعود -قال: فقال ابن مسعود: من استطاع منكم أن يغل مصحفاً فليغله، فإنه من غل شيئاً جاء به يوم القيامة، ثم قال: قرأت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة؛ أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كان هذا رأي ابن مسعود، وانقطع هذا القول، وأصبح إجماع الأمة أنه لا يكتب المصحف إلا بهذه الطريقة، حتى ولو كانت هناك قراءات ووجوه أخرى في ترتيب السور، فقد أجمعت الأمة على أن المصاحف لا تكتب إلا هكذا والحمد لله؛ وذلك لحفظ القرآن بفضل الله.
وروى أبو داود عن سمرة بن جندب قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة أمر بلالاً فينادي في الناس فيجيئون بغنائمهم يخمسه ويقسمه، فجاء رجل يوماً بعد النداء بزمام من شعر فقال: يا رسول الله! هذا كان مما أصبنا من الغنيمة.
فقال: أسمعت بلالاً ينادي -ثلاثاً؟ - قال: نعم، قال: فما منعك أن تجيء به؟ فاعتذر إليه، فقال: كلا، أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله منك)، وكان هذا من أعظم العقوبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله العافية.
وقد ذكر العلماء أن من أخذ أموالاً عامة من غير حق ثم تاب إلى الله عز وجل فإنه يتصدق بها عن المسلمين الذين يستحقونها، وهذا هو قول أكثر أهل العلم.