للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واجب المؤمن نحو داء الكبر]

والمؤمن دائماً ينظر إلى عيوب نفسه، وينظر إلى تقصيره وجهله، وينظر إلى عجزه وفقره، ولا ينظر إلى كمالات يتوهمها، فلو أن الله عز وجل ذكره ومدحه وهو الذي مَدْحُه زين وذمه شين- لكان عليه أن يقابل ذلك بمعرفة تقصيره وظلمه وعجزه وفقره، كما قال الله لخير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤]، فكان يقول عليه الصلاة والسلام في دعائه: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، أو لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك).

وعلم خير أصحابه وخير أمته أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن يقول: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، وهو الذي يثني عليه ويقول: (لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)، وهو الذي يقول عنه: (إن أمنَّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر) ومع ذلك يعلمه هذا الدعاء.

وهكذا المؤمن فهو يبتعد دائماً عن أن يفكر في كمالات نفسه، حتى لو أن الله هو الذي ذكره بذلك، وهذا لا يعني أنه لا يشهد ما أنعم الله به عليه، بل يشهده محض فضل منه عز وجل، وتشهده نعمة منه سبحانه وتعالى ليس لنفسه شيء من ذلك، وما بها من خير وكمال فمن الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بك وإليك)، فبالله عز وجل وصل إلى ما وصل من المراتب العالية؛ فكيف بمن لم يذكره الله عز وجل؟ وكيف بمن لم يزكه نبي الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف بمن وقع في الصفات المذمومة؟ فكل منا لابد أن يحذر على نفسه من أن يعجب بها أو ينظر إلى كمالاتها، أو يتوهم لها كمالات وخيرية على غيره، مما يؤدي إلى ذلك المرض الذي يبدأ أولاً على الناس ثم يصل بالإنسان إلى أن يتكبر على أمر الله، فالكبر المعصية ذريعة إلى الكبر الذي هو كفر وشرك بالله عز وجل، وأكثر الأمم أشركوا بسبب الكبر الذي بدأ صغيراً في القلوب، -وما هو بصغير- ثم تحول إلى الأكبر وهو الكفر والعياذ بالله، {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف:١٣٣] والإجرام هنا: يتحصل بالإفساد في الأرض والصد عن سبيل الله، وإن كان فرعون يزعم أنه مصلح كما قال عن موسى: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:٢٦].