عباد الله! وعد الله سبحانه وتعالى بالإسكان في الأرض والتمكين فيها لمن خاف وعيده عز وجل، قال الله عز وجل:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}[إبراهيم:١٣ - ١٤]، فإن أكثر الظالمون من الإفساد في الأرض، وانتهاك الحرمات، فوعد الله عز وجل لا يخلف، فهل نحن الذين حققنا هذه الصفات؟! {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}[إبراهيم:١٣]، فإن الله سبحانه وتعالى يهلك الظالمين لأجل عباده المؤمنين الذين يخافون مقامه ووعيده، فإذا استفتح الظالمون خابوا عند استفتاحهم وعند دعائهم، وعند طلبهم من ربهم أن يفتح بينهم وبين قومهم بالحق وهو خير الفاتحين كما قال تعالى:{وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}[إبراهيم:١٥]، فهل حققنا عباد الله هاتين الصفتين -أي: الخوف من مقام الله ومن وعيده- وهل أخذنا من رمضان عدة حتى نتهيأ لهذه الصفات؟ ومعنى:{ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي}[إبراهيم:١٤]، أي: لمن خاف مقامه بين يدي الله، ولو لم يكن إلا العرض لكفى به خوفاً، فكيف وأنت لا تدري ما شأنك غداً يا عبد الله؟! كيف وأحدنا لا يدري أيناقش الحساب فيعذب، ويكون ممن يقول:{يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:٤٩]؟! فهذا الذي ينبغي أن تخاف منه خوفاً يذعن له القلب عن ورطة وسنة الغفلة، ويوقظه للرحيل عن هذه الدنيا، ويخاف وعيد الله عز وجل، يخاف النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.
فهذه عباد الله هي أهم صفات المتقي: الخوف من الجليل، فهو يخاف من الله عز وجل، وهي من أهم صفات الممكنين في الأرض، إن الله سبحانه وتعالى إنما يمكن لعباده المؤمنين ليعبدوه عز وجل وليعبدوا غيرهم له، لا ليستعلوا على الناس، ولا ليطلبوا الملك والرئاسة، فهذا قد فعله غيرهم من أهل الدنيا، وعندما يكونون كذلك يمكن الله لهم، ويهلك عدوهم من أجلهم، ويسكنهم الأرض من بعدهم؛ لكي يعبدوه سبحانه وتعالى، ولا يحصل ذلك إلا بالخوف منه عز وجل، وخوف مقامه ووعيده قال تعالى:((ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)).
أأدركتم عباد الله مفتاح النصر على الأعداء؟! إن المسلمين في مواجهة أعدائهم، وقد مكروا مكراً تزول منه الجبال، وأحاطوا بهم من كل جانب، فلهم مفاتيح دنيوية للنصر، وسيخيب عند وجود أسباب التمكين كل الجبارين المتكبرين الذين أرواحهم وأنفسهم ونواصيهم بيده سبحانه وتعالى.
فيري الله العباد آياته، وأن البشر لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ففي لحظة يزول الإنسان عن هذه الحياة، فلا نطلب الفتح إلا إذا كنا قد حققنا الخوف من الله عز وجل، فعند ذلك يخيب الجبارون والمتكبرون والمعاندون، قال تعالى:{وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}[إبراهيم:١٥ - ١٧]، فيأتيهم الموت الذي يفر الناس ويفزعون منه الآن، وهو بالنسبة إليهم أعظم المصائب، وهو الرعب الذي لا يوجد مثله، ترونه أمنية الكافر في النار، فأمنيتهم أن يموتوا، قال تعالى:{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:٧٧]، نعوذ بالله من النار! الخوف من الله عز وجل أحد أهم صفات المتقين، ولا تظفر برحمته سبحانه وتعالى، حتى تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وتجتنب معاصي الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله، فهذه التقوى.
فالتقوى كما عرفها بعضهم هي: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل، وكل هذه تعريفات متلازمة، فانظر إلى حال قلبك أثناء رمضان أولاً، وبعد رمضان ثانياً، لتعرف هل قبل صومك أم لا؟ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقبولين، أقول قولي هذا أستغفر الله لي ولكم.