للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منزلة التوكل وثمراته]

من صفات المؤمنين ما ذكره الله عز وجل بقوله: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢]، فالتوكل من الإيمان، كالرأس للجسد بالنسبة إليه، فلا تحصل عبادة الله إلا بالتوكل عليه والاستعانة به، ولذا جاء في دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت)، مع أن التوكل داخل في الإسلام والإيمان، ولكن ذكر مستقلاً تأكيداً على أهميته، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [يونس:٨٤ - ٨٦].

فدل ذلك على أن الإيمان والإسلام لابد فيهما من التوكل، فلا يكون الإنسان مسلماً مؤمناً إلا بالتوكل على الله، فالإسلام والإيمان يتضمنان التوكل، ومع ذلك خص بجملة مستقلة تنبيهاً على شرفه وتعظيماً لقدره، وذلك أنه لا ينال العبد حقيقة العبودية وحقيقة الإيمان والإسلام إلا بأن يستعين بالله ويتوكل عليه، ويعلم أنه لن ينال الخير إلا به، ولا قوة له إلا به سبحانه، وأن ما به من نعمة -وأعظم نعمة هي نعمة الإيمان والإسلام- فمن الله، ولذا يتوكل عليه في تحصيلها، وفي زيادتها وتثبيتها، وفي لقاءه الله عز وجل بها، فبهذا يصح له

السؤال

{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٦]، وبتحقيق التوكل يصح له قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥].

وإذا زال التوكل على الله زالت العبادة والإيمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالتوكل وإن كان من أعمال القلوب إلا أن له أثراً في سلوك الإنسان وفي كل شئون حياته.

فالتوكل يثمر للإنسان الخوف من الله وحده، ورجاؤه دون من سواه، والرغبة فيما عنده، فلا يرغب فيما عند الناس ولا يعبأ بهم، بل يصغرون في عينيه، وبه يعرف حقيقة قدرهم، ويوقن بأنه لا قوة إلا بالله، فتعمل الأعمال خالصة لوجه الله لا للناس، فلا يرجوهم المتوكل على الله ولا يخافهم ولا يتوكل عليهم، ولا يعتمد على أحد منهم، ويأخذ بالأسباب غير معتمد عليها، إنما مستعيناً بالله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، فهو يحرص على ما ينفعه غير مستعين بأحد سوى الله، فلا يتوكل إلا عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وكل هذا من التوكل على الله عز وجل، ويعلم المتوكل عليه سبحانه أن الأسباب لا تضر ولا تنفع، وإنما ينفع ويضر ربها وخالقها ومدبر الأمر سبحانه وتعالى، فعند ذلك لا يثق قلبه إلا بربه عز وجل.