أتظن أن أهل الدنيا في غناهم وفي شهواتهم سعداء؟! والله إنه يمسهم أنواع من القرح، فكلما ازداد مالاً ازداد خوفاً عليه وتعباً من أجله، وكلما ازداد شهوة كلما ملها وقل استمتاعه بها.
فأنت ترى كم أغرق الغرب بشعوبه المختلفة في حمى الجنس، وفي الشهوات الجنسية المدمرة، وترى عندهم -رغم كل مظاهر الشهوة الجنسية المبثوثة في العالم من زبالتهم وسخافة عقولهم وسلوكهم- عدم الاستمتاع بهذا الأمر، والشقاء به ما يخبرنا به الذين دخلوا في هذه المجتمعات، أي: قد أصابهم الملل من هذه الأمور حتى وهم غارقون فيها، فمثلهم مثل الغريق يشرب ماءً كثيراً حتى يغرقه في الماء، وعمره لا يلقى للماء طعماً أبداً والعياذ بالله، بل يجد عذاباً فيها، فكل غارق في الشهوات من هذا الباب ينال منها إلى غاية ما يزهق منها، فالله عز وجل جعل عذاب الإنسان في بعده عن الله سبحانه وتعالى، وفي عدم إيمانه بالله سبحانه وتعالى، ولذا لا تتصور أنك ستسلم من الألم، وأنك ستسلم من القرح قال تعالى:((إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ))، أي: إن أصابكم قتل وجراح في أحد فقد أصاب المشركين قبلها في بدر، فالله سبحانه وتعالى قد قدر الشقاء والألم على كل من ينزل إلى هذه الأرض.
قال تعالى:{فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}[طه:١١٧]، فعلاً الشقاء ملازم، ولكن مع المؤمن ما يزيل به أثر هذا الشقاء، والألم موجود ولكن معه حلاوة، والدواء المر يوضع معه شيء من الحلوى أو العسل فيذهب مرارته، فهذا إذا كان قوياً كان الصبر، وإذا كان أقوى منه كان الرضا، وعند ذلك يزول الألم بإذن الله تبارك وتعالى.
فالصبر هو الذي يحصن النفس على ما تكره ابتغاء موعود الله سبحانه وتعالى، وأعظمه الصبر على طاعة الله وعلى ما يصيب الإنسان في سبيل طاعة الله، وذلك أن ما يصيب الإنسان في سبيل الله يجمع أنواع الصبر كلها، الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، وهنا الصبر على الوهن والحزن وموافقة المشركين وأهل الباطل على ما يريدون، وغير ذلك من أنواع المعاصي التي ترتبط بفترات المحن والهزيمة والانكسار.
فهذا الذي يصيب الإنسان في سبيل الله تجتمع فيه كل أنواع الصبر؛ ولذا يعظم أجره جداً، وهو مغنم لا مغرماً بفضل الله سبحانه وتعالى.