إن مما جعل الله عز وجل في القرآن أنه شفاء لما في الصدور وهدى ورحمه للمؤمنين، فالله عز وجل يشفي به صدور المؤمنين من الآلام والهموم والأحزان، وذلك مما علمه النبي صلى الله عليه وسلم للمهموم، فأمره أن يدعو فيقول:(اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي).
ومن عظمة القرآن أنه عند طريقة تناوله لأحداث التاريخ، تشعر عند قراءتك له أنك تتجاوز الزمان والمكان، وتعيش في اللحظات المسعدة المبهجة، وكأنك واقع فيها؛ لأن الإنسان إنما يتألم ويحزن على الواقع المؤلم الذي هو فيه، وعلى قهر الرجال وغلبة الدين، وعلى الظلم والفساد، وعلى ضياع أشياء كثيرة جداً، وأهل الإيمان يكون من همومهم وغمومهم عدم التمكن من إقامة الدين، وتسلط الكفرة والمجرمين والظالمين، ولا شك أن هذا من أشد ما يؤلم أهل الإيمان، ويجعل في قلوبهم غيظاً، كما قال عز وجل:{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}[التوبة:١٤ - ١٥]، وهذا ألم يحتاج إلى شفاءً، وكما يجد كل مؤمن في زماننا هذا الألم مما يفعله اليهود والنصارى والمشركون بالمسلمين في أقطار الأرض ولا يجد له شفاء إلى الآن، فلم ير ما يشفي صدره، ولهذا فإن الناس يفرحون بأي مصيبة تنزل بالكفرة حتى ولو كانت فيها مفاسد أخرى، وهذا الغيظ هو مما يفعله الكفار، وتأمل طريقة القرآن لعلاج هذا الهم والحزن، فنجد أن القرآن يتحدث عن لحظات النصر والتمكين للمؤمنين في مساحة واسعة، ومذكورة بتفصيل رائع، حتى يأخذ القرآن القلب بعيداً عن الواقع المؤلم الذي يكون فيه، ويظهر ذلك في سورة الأعراف، وهي سورة مكية، ومثلها سورة يوسف، وسورة القصص التي تناولت قصة بني إسرائيل وقصصاً أخرى.
فالقارئ تأخذه الآيات بعيداً عن هذا الواقع، وتجعله يعيش في لحظات انتصار الحق وكأنه حاضر تلك اللحظة، فهذا من أعظم أسباب السعادة وشفاء الغيظ والجرم والهم والحزن.
وإننا نشهد عبر التاريخ انتصارات متعددة، ليست خيالاً بل حقيقة، ولحظات الابتلاءات رغم أنها طويلة الزمن، ولكنها تذكر في القرآن في كلمتين أو سطرين أو قريباً من ذلك، ولحظات التمكين والنصر والعز لأهل الإيمان، رغم أنها قد تكون ساعات أو لحظات معدودة، إلا أنها تفرد بمساحة واسعة، وتذكر بأدق تفاصيلها؛ ومنها: الموقف الذي وقع فيه نصر الله عز وجل لموسى يوم الزينة، فيجد القارئ تفاصيل الموقف قد ذكرت في عدة مواطن من القرآن بأروع تفصيل؛ لتفاعل خلجات النفوس عند تفصيلها، كل لحظة بلحظتها.