للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الاستسلام لله تعالى]

الإسلام يحمل معنى الخضوع والانقياد والاستسلام لأوامر الله عز وجل، كما قال عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:٣٦]، وهذا الضلال في ترك الاستسلام والانقياد لأوامر الله عز وجل مناف لدين الإسلام، نعوذ بالله من ذلك.

إن معنى (اللهم لك أسلمت) يقتضي استسلاماً وانقياداً وخضوعاً وذلاً ومتابعة لأمر الله سبحانه وتعالى، ولذا كان من أبى أن يقبل ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام عن الله سبحانه وتعالى كان راداً لأوامر الله، متكبراً على شرع الله سبحانه وتعالى، وكان ذلك مناقضة للإسلام، ولذا نجد أن العبد المؤمن يرى نفسه مملوكاً لله سبحانه وتعالى، تحت شرعه وأمره، له سبحانه وتعالى عليه الأمر كما له الخلق، كما أنه تفرد بالخلق فله سبحانه وتعالى عليه الأمر: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:٥٤].

والدعوات الباطلة التي تنادي بأن الإنسان حر في أن يأتي ما يشتهي، ويترك ما يشتهي، ويفعل ما يريد، ويترك ما يريد دون التزام بالشرع، حتى لو أقر بوجود الله، هذه الدعوة منافية لأصل التوحيد والإيمان، لا يقبل الله عز وجل من العباد إلا أن يسلموا له سبحانه وتعالى، ويستسلموا لأوامره الشرعية، ولا يقابلوها بشبهات ولا بشهوات، ولا يعارضوها بتقليد أعمى أو بمصلحة أو سياسة أو غير ذلك، إنما الأمر أن يقبل الإنسان شرع الله سبحانه وتعالى كاملاً، ورفضه لأي أمر من أوامر الله إباءً واستكباراً قدح في أصل الدين، وما كان كفر إبليس إلا بترك هذا الاستسلام، فقد أبى واستكبر وكان من الكافرين، ولا تنفعه طاعاته السابقة كما لم تنفع إبليس عبادته قبل ذلك؛ لأنه إذا رد أمر الله عز وجل في أمر واحد فقد نفض يديه من معنى العبودية، ولا يبقى للإسلام معنى، ولا يبقى للدين معنى مع انتقاض معنى العبودية لله سبحانه وتعالى، ولذا كانت دعوة أهل الإسلام دائماً إلى الانقياد لله سبحانه وتعالى، وتوجيه القلوب إلى وجهة واحدة إلى مرضاة الله عز وجل.

وأما من قبل أمر الله ولكنه خالف وعصى، وهو مقر على نفسه بالذنب والمعصية، وهو يقر أنه مستحق للعقاب لمخالفته أمر الله عز وجل، فهذا نقص إسلامه وإيمانه ولم ينتف بالكلية؛ وذلك لأن أصل معنى الإسلام من الانقياد والقبول بشرع الله موجود في قلبه، وأما الكفر والردة عن الدين فبالإباء أو الاستكبار بترك القبول والانقياد القلبي الذي لا يقبل الله عز وجل من أحد سواه.