[وصايا لابد منها]
عباد الله! اجتهدوا في يوم العيد في صلة الأرحام، وفي الإحسان إلى الناس عموماً، فإنه يوم بهجة وسرور.
اجتهدوا في يوم العيد في البعد عن الحرام، فليس انتهاء رمضان معناه أن نعود مرة ثانية إلى ما حرم الله عز وجل علينا، من سماع المنكرات كالمعازف والأغاني التي لا يشك عاقل فضلاً عن عالم بتحريمها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف).
احذروا شباب الإسلام من كل مسكر ومفتر من هذه المسكرات والمخدرات بأنواعها المختلفة، فإنها من أعظم الضرر ومن أعظم الخطر على أهل الإسلام، وإن من يعين على نشرها ولو كان لتحقيق كسب سريع فهو والعياذ بالله من المفسدين في الأرض، ويأكل الحرام ويعيش فيه.
إن المعاونة على نشر هذه المخدرات في أوساط الشباب بأي درجة من درجات الإعانة أو البيع أو التجارة في قليل أو كثير من كبائر الذنوب نعوذ بالله من ذلك! احرصوا عباد الله على تجنب الربا فإنه محق للبركة قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:٢٧٦]، وهو مؤذن بحرب قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:١٧٨ - ٢٧٩].
فكيف ننتصر على عدونا والله عز وجل هو الذي يحاربنا؟! فإنا إذا أكلنا الربا فقد حاربنا الله، نعوذ بالله من ذلك! عباد الله! احذروا من الرشوة، فكل موظف وكل من قام على أمر من أمور المسلمين فلابد أن يعلم أنه لخدمتهم، ولمصلحتهم، وإنما يأخذ أجراً من أموالهم العامة، على أداء الخدمة لهم، على أن يكون رفيقاً ناصحاً لهم، مؤدياً لخدماتهم التي ألزم بها، بل ويزيد على ذلك.
ولقد انتشرت الرشوة في كل مكان، فاحذروا عباد الله منها، لا تطعم نفسك وأولادك حراماً، فما يغني عنك الصيام في رمضان إذا كنت تأكل الحرام، وتغصب أموال الناس، وإذا ترتشي وفي الحديث: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما) أي: الذي يسير بينهما بالواسطة في هذه الرشوة.
فاحذروا عباد الله من هذه المحرمات، واحذروا من أذية المسلمين في دمائهم وأعراضهم وأموالهم قال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
إن انتشار المنازعات بين المسلمين في شوارعهم، حتى يقع الواحد منهم في عدة حدود في الدقيقة الواحدة، فيقذف الرجل ويقذف أباه، ويقذف أمه -وكلها من الكبائر- فيرد الآخر عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من الكبائر شتم الرجل والديه.
قيل: أيسب الرجل والديه يا رسول الله؟! قال: يسب أبا الرجل؛ فيسب أباه، ويسب أمه؛ فيسب أمه) نعوذ بالله! إن انتشار استعمال الأدوات التي تؤذي المسلمين من أسلحة أو غير ذلك من أعظم الأمور خطراً، والسكوت على ذلك من أسباب الهلاك، حتى سهل على كثير من الشباب أن يطعن أخاه، أو يضربه، أو يسفك دمه متهاوناً بذلك، فلابد أن نتقي الله عز وجل في أعراض المسلمين.
إن انتشار الفواحش من أعظم أسباب هلاك هذه الأمة وضياعها، ولقد هلكت بنو إسرائيل عندما اتخذت النساء الشعور المستعارة، أي: الواصلة والمستوصلة كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ولعن فاعله، حيث قال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والنامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة، والمتفلجات بالحسن، المغيرات لخلق الله).
عباد الله! إن التبرج من أعظم الأمور خطراً على الأمة، وهو من أسباب رجوعها إلى الجاهلية، قال الله عز وجل: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣].
يا نساء المسلمين! اتقين الله عز وجل، فإذا خرجتن من بيوتكن فاخرجن في الهيئة الشرعية، إياكن وحجاب التبرج! كثير من النساء قد علمت وجوب الحجاب قطعاً ويقيناً، بل صار هذا بفضل الله وبانتشار الدعوة إلى الله عز وجل أمراً يكاد يكون معلوماً من الدين بالضرورة جملة، ولكن كثيراً من الأخوات من النساء إذا التزمن بالحجاب التزمن بحجاب ليس شرعياً، وإنما هو أقرب إلى تبرج الجاهلية الأولى، وذلك أن المرأة كانت في الجاهلية لا تشد خمارها على رأسها، كان لها خمار ولكنها لا تشده، فتظهر خصائل من شعرها، ويظهر بعض صدرها، وقد أمر الله بالضرب بالخمار على الجيب أي: على الصدر والعنق، كما قال عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١].
فلا بد أن تغطي المرأة صدرها بالكامل بحجابها، حتى لا يظهر ارتفاع صدرها، وهذا أمر من أعظم الأمور خطراً، أي: أن نظن أننا قد ألزمنا بناتنا ونساءنا بالحجاب وهن لسن ملتزمات به.
احذروا من الاختلاط المحرم الذي يقع بين الشباب والفتيات، والرجال والنساء في كثير من بلاد المسلمين، وفي كثير من شوارعهم وطرق مواصلاتهم، فاتق الله أيها المسلم ولا تلمس بيدك امرأة أجنبية؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يطعن رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له).
وإياك أن تزاحم بمنكبك امرأة قد خرجت لأي سبب من الأسباب، ووقعت في نفس وسيلة المواصلات! ولا يجوز هذا في أمر العورة ولو من فوق الثياب، فلا بد أن تفصل بينك وبين من بجوارك من النسوة؛ حتى لا تلمس بدنها الذي هو عورة ولو من فوق الثياب، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة)، فكما لا يجوز باتفاق المسلمين أن يضع رجل يده على فخذ امرأة ولا صدرها، فكذلك لا يجوز بالأولى ولو من فوق الثياب أن يضع فخذه ملامساً لفخذها.
فاتقوا الله عباد الله، إن كثيراً من المنكرات تقع في شوارع المسلمين، وفي طرق مواصلاتهم، وهي بمجموعها تؤدي إلى الخلل الذي يحصل لنا في حياتنا، والذي يؤدي إلى تسلط أعدائنا علينا، فإن الله ما ولى الظالمين أمور المسلمين إلا لأجل وجود الظلم فيهم، وما جعل عدوهم يأخذ بعض ما بأيديهم إلا بسبب مخالفتهم للشرع.
إن احتلال الكفار لبلاد المسلمين إنما هو ثمرة هذا التقصير وهذه المنكرات، وثمرة المخالفة لشرع الله عز وجل، فإذا تبنا إلى الله عز وجل، وكل منا له دوره في إصلاح نفسه، ثم في إصلاح أسرته، ثم في إصلاح المخالفين له، فيكون ناصحاً لأمته، داعياً إلى الله عز وجل، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر كما شرع الله، فلنبشر بالخير والنصر.
قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:١٢٥].
فلا تقل للناس: غيروا المنكر بأي طريقة أو اسفكوا الدماء، أو انتهكوا حرمات المسلمين، فإن ذلك من أعظم الأمور خطراً، وإن سفك دماء المسلمين بدعوى إقامة الدين لهو من أعظم أسباب ضياع ثمرة العمل الإسلامي، حين ينتسب إلى العمل الإسلامي من لا يراعون حرمات المسلمين، ويسعون إلى قتل من أرادوا القتل ولو على دماء المسلمين الأبرياء، ولقد قال عز وجل في صلح الحديبية: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح:٢٥].
لكننا نقول: ندعو إلى الله بما شرع الله، وندعو بعلم وبصيرة قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].
يا أخي في الإسلام! إن كنت قد سمعت في شهر رمضان أو في هذا اليوم الكريم بفضل الله شيئاً كنت مقصراً فيه، من ترك لطاعة، أو فعل لمحرم، فاليوم اعزم عزماً أكيداً على أن تبدأ في التغيير، وعلى أن تبدأ في الطاعة، وأن تبدأ في ترك المعصية، ولنتب إلى الله جميعاً عسانا أن نفلح قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١].
وكلنا ينوي التغيير إلى الأفضل والأحسن، ولا سبيل لذلك بأن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فاستعينوا بالله عز وجل على عبادته، فهذا هو السبيل الوحيد الذي به يصل الإنسان إلى ما يحبه الله عز وجل ويرضاه، فمن استطاع منكم أن يأتيه الأجل وهو في عمل الله فليفعل، واعلموا أنكم لن تنالوا ذلك إلا بالله عز وجل.
نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم.
اللهم اجعلنا ممن صام رمضان إيماناً واحتساباً فغفرت له، واجعلنا ممن قام رمضان إيماناً واحتساباً فغفرت له، واجعلنا ممن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً فغفرت له.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا، وقواتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا.
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور، واجعلنا هداة مهتدين.
اللهم انصر المسلمين في كل مكان.
اللهم فرج كرب المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان والهند وكشمير، وفي مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان.
اللهم أنج المستضعفين من المسلمين في كل مكان.
اللهم فرج كرب المكروبين، وفك أسر المأسورين، وارفع الظلم عن المظلومين.
اللهم إنا نسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما علمت الوفاة خيراً لنا.
الله