قال ابن القيم رحمه الله في فوائد هذه الآيات والدروس المستفادة من قصة غزوة أحد: لما علم القوم أن العدو إنما يدال عليهم بذنوبهم، وأن الشيطان إنما يستزلهم ويهزمهم بها، وأنها نوعان: تقصير في حق، أو تجاوز لحد، وأن النصرة منوطة بالطاعة ((قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا))، ثم علموا أن ربهم تبارك وتعالى إن لم يثبت أقدامهم وينصرهم لم يقدروا هم على تثبيت أقدام أنفسهم، ولم ينتصروا، فوفوا المقامين حقهما، مقام المقتضي وهو التوحيد والالتجاء إلى الله عز وجل، ومقام إزالة المانع من النصرة وهي: الذنوب والإسراف.
ثم حذرهم سبحانه من طاعة عدوهم بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}! فحذرهم سبحانه من طاعة عدوهم، وأخبر أنهم إن أطاعوهم خسروا الدنيا والآخرة، وفي ذلك تعريض بالمنافقين الذين أطاعوا المشركين لما انتصروا يوم أحد.
وهنا قضية عظيمة الأهمية في هذه المواقف وفي أمثالها عبر العصور؛ وذلك أن الأمراض التي تصيب الأمم المهزومة في معاركها العسكرية، هي أمراض خطيرة مدمرة، بها تزول حضارات الأمم، وبها تضمحل مناهلهم.
ومن هذه الأمراض: مرض الضعف، وهو أن يضعفوا في القيام بالحق الذي معهم نتيجة الهزيمة، ويتركوا القيام بما أوجبه الله عز وجل عليهم.
وكذلك مرض الوهن، وهو التعلق بالأرض وحب الدنيا وكراهية الموت، وهذا يسلط العدو أكثر حين ينشغل الناس بدنياهم، وحين تكون قضيتهم في الحياة هي الرواتب التي لم تصرف، والأطعمة التي توزع، والملابس التي يكتسون بها ويكسون أولادهم، حين تصبح قضيتهم هي قضية الصراع على الدنيا يزداد العدو تسلطاً، ويأكل الثروات ويلقي بالفتات ولا حول ولا قوة إلا بالله، والشعوب المغلوبة المقهورة حين تضيع قضيتها تصبح كذلك فيصيبها الضعف والوهن.